يقول الشاعر السوري الراحل محمد الماغوط «الموهبة فضيحة»، بمعنى أن الإنسان الموهوب يكون مميزاً ومتوهجاً بين أقرانه، وهذه الثنائية بالضبط، هي التي ارتكز إليها السيناريست المصري تامر حبيب، في حبكة مسلسله الأخير «طريقي» الذي عرض أخيراً في موسم الدراما الرمضانية، من بطولة شيرين عبدالوهاب، باسل خيّاط، سوسن بدر، محمود الجندي، أحمد فهمي، محمد ممدوح، محمد عادل، ياسمين صبري وندى موسى، ومن إخراج محمد شاكر خضير. تنطلق أحداث الحلقة الأولى مع إشارة إلى العام 1969. تُعاني دليلة (شيرين) التي وهبها الله صوتاً ساحراً من تعسّف والدتها هدى (سوسن بدر) التي ترى في الغناء نوعاً من العار، وفي المقابل يقف والدها (محمود الجندي) ضعيفاً أمام سطوة الأم المتجبّرة. كيف ستنفجر هذه الموهبة؟ كيف ستشق لنفسها طريقاً؟ هنا انطلاقة العقدة الدرامية. غالباً ما نجد في سير الفنانين والمشاهير مثل تلك القصص التي تحكي كيف واجه هذا الفنان أو ذاك، العوائق والعقبات، بدءاً برفض الأهل، مروراً بالفقر، وصولاً إلى البحث عن فرصة للتقدّم، وانتهاءً بأزمات ما بعد التحقق. وفي مسلسل «طريقي»، برع تامر حبيب في نسج فسيفساء تلك المحطات، عبر سيرة دليلة، التي أفلتت من قبضة والدها بالزواج من والد صديقتها المحامي الثري والقوي يحيى المنيسي (باسل خياط) الذي يكبرها بعشرين عاماً، والذي انقلب إلى غول بعدما، تزوج منها، وحبسها في البيت وبدأ يراوغ في تنفيذ وعوده لها بمساعدتها في الوصول إلى حلمها بأن تصير مطربة شهيرة. على هامش مسيرة دليلة، وفي صلب القصة أيضاً، تمضي القصص الفرعية، فهناك محمود (محمد عادل) شقيق دليلة الذي يساند حلمها. ومحمود يحب ليلى (ندى موسى) صديقة أخته، يظهر محمود كما لو كان كوة النور التي تطل منها دليلة الطامحة للوصول إلى هدفها، وليلى التي تتخطى عقدتها النفسية من إهمال الأب إلى العقوبات التي تنهمر عليها بسبب مخالفتها القوانين الصارمة في مدرستها الداخلية. نجد أيضاً نادية (ياسمين صبري)، المرحة والشقية، التي لا تكف عن الدخول في علاقات للتسلية، والتي تتورط في قصة حب بطيئة ومشوّقة مع عماد (عمرو صالح)، تنتهي بتبادل الخيانات التي لا تمنعهما من التشبث بعضهما ببعض. بغض النظر عن بعض الهفوات، والكثير من الصدف، تستمر الأحداث في شكل مشوّق ومتماسك، حتى الحلقة الحادية والعشرين، عندما تتمكن دليلة من الهروب من سطوة زوجها يحيى وتتركه راقداً بين الحياة والموت، لتهرب بحلمها إلى مروان (أحمد فهمي) المذيع الفني الذي سيتبنى حلمها ويقدمها للجمهور والمنتجين والمستمعين، إلا أن المشاهد يتفاجأ في الحلقة التالية بانقضاء عشر سنوات دفعة واحدة، وكأنما وصل المؤلف بقصته إلى حالة من التعقيد يصعب معها إيجاد حلول درامية منطقية، فيكون الحل الوحيد المتاح أمامه هو القفز إلى فترة طويلة، فتصبح الحلقات المتبقية كما لو كانت تخص مسلسلاً آخر، بعقد درامية جديدة وحبكات جديدة وبشخصيات جديدة. تصل الصدف الكثيرة في المسلسل إلى حدّ غير مقنع. بالصدفة، يلتقي مروان (أحمد فهمي) دليلة في أماكن عدّة: في مبنى الإذاعة، وفي حفلة شاطئية، وفي حفلتها في الملهى الليلي الذي عملت فيه، بل يمتد الأمر ليتصادفا في بلد آخر، عندما يلتقيان في شكل عرضي في حفلة زفاف دليلة في لبنان. كل تلك الصدف كانت لافتة إلى درجة لم يجد معها المؤلف سبيلاً لمعالجتها سوى بالإعلان بلسان إحدى الشخصيات اندهاشها من تكرار تلك الصدف، كما لو كانت «إشارة» تفيد بأن القدر يخطط لجمعهما. بدت خيوط الحبكة كما لو أنها في سبيلها إلى التفلّت من يد المؤلف الذي حاول قدر الإمكان جعل البناء الدرامي لمسلسله متماسكاً، ولم يسعفه في ذلك سوى جودة العلاقات الإنسانية التي يرصدها وعمقها، ما بين قصة حب غرائبية تجمع الشابة دليلة والكهل يحيى المنيسي، إلى قصة الحب الخجولة بين محمود وليلى، مروراً بالعلاقة العجيبة بين نادية وعماد، وحتى قصة الحب غير المتكافئة بين سيد والراقصة والقائمة على المصالح المتبادلة. صحيح أن دليلة تستطيع أن تقطع مسيرة لا بأس بها فنياً، إلا أنها تبتلى بورم حميد في حنجرتها، وهو الأمر الذي يمنعها من الغناء، ليعاود طليقها يحيى المنيسي الظهور، محاولاً استعادتها أو على الأقل تكدير صفو حياتها واستعادة ابنته من دليلة، هذا بخلاف تراكم المصائب على رأس شقيقها سيد (محمد ممدوح) الذي يدفع ثمن كل أخطائه، ويتحاملعلى دليلة لتسانده، على رغم تاريخه الأسود في خيانتها وإيذائها وإيذاء كل المحيطين به. تتمثل الميزة الأهم في العمل في توافر مجموعة من الممثلين الشباب الموهوبين، الذين أدوا أدوارهم بإتقان كبير، وهنا تجدر الإشارة إلى الرائع محمد ممدوح، الذي يثبت عملاً تلو الآخر أنه خامة جيدة تستطيع أن تقوم بكل الأدوار. وبالمثل تحضر الواعدتان ندى موسى، وياسمين صبري. فالأولى قدمت شخصية المراهقة المعقّدة، بينما أضافت ياسمين صبري، السندريلا الجديدة للدراما المصرية إلى رصيدها نقطة جديدة، وأثبتت أن موهبتها لا تقف عند حدود الجمال، بل تتجاوز ذلك إلى قدرتها الكبيرة على تجسيد دور الفتاة الشقية والطيبة في آن. وفعلت ذلك بكثير من الاقتدار والإجادة. مسلسل «طريقي» حظي بنسب متابعة مرتفعة، بخاصة بسبب الرهان على اسم بحجم المطربة شيرين، وكذلك بسبب تميّز أعضاء فريق التمثيل الذين قدموا أدواراً صعبة ومعقدة بكفاءة واقتدار.