في السادس عشر من كانون الأوّل (ديسمبر) الماضي، نشرت الصحف البريطانية خبر إلغاء تسيبي ليفني دعوة كان من المفترض أن تلقي خلالها خطاباً في مناسبة لليهود البريطانيين. وتسيبي ليفني هي اليوم زعيمة حزب «كاديما» المعارض في إسرائيل ووزيرة الخارجيّة السابقة. ولم يتضح السبب الحقيقي وراء تبديلها خطّتها، إلا أن محكمةً في وستمنستر أصدرت مذكرة توقيف بحقّها بشأن اتهامها بارتكاب جرائم حرب في بداية عام 2009 إبّان الحرب على غزّة. وأكدت الصحف أن مذكرة التوقيف كانت ستفضي الى أزمة ديبلوماسيّة. وأشارت صحيفة «الدايلي تلغراف» الى «أن العلاقات مع إسرائيل على المحك». كما ذكرت «التايمز» أن «ميليباند (وزير الخارجية) يتحرّك لاسترضاء خواطر إسرائيل بعد صدور مذكرة التوقيف بحق ليفني». لقد جرت بعض الحركة الديبلوماسيّة غير أنها كانت من دون جدوى بمعظمها. أما القصة الحقيقيّة فهي أنّ سوء التصرّف الإسرائيلي المزمن بدأ أخيراً يؤثر سلباً على إسرائيل. تنصّ اتفاقية جنيف الموقعّة عام 1957 على إمكانيّة اعتقال المتهمين بالجرائم الكبيرة بما فيها جرائم الحرب ومحاكمتهم في المملكة المتحدة إذا رأت المحكمة أن القضية تستدعي ذلك، وذلك بغض النظر عن مكان وقوع الجرائم. وتحدّث المحامون عن مبدأ التقاضي العالمي، وهناك الكثير مما ينبغي قوله في هذا الإطار. وبالإمكان محاكمة مجرمي الحرب، الذين يعيشون في دول ذات أنظمة قانونيّة غير مناسبة، عندما يسافرون الى الخارج. في العام 1998، اعتقلت السلطات البريطانيّة الجنرال أغوستو بينوشيه على خلفيّة ارتكابه جرائم إبادة وإرهاب. وهو لم يعد الى تشيلي إلا بسبب سوء صحّته. وفي أيلول (سبتمبر) الماضي حضر وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك مؤتمر حزب العمال البريطاني، وجرت محاولة لإصدار مذكرة توقيف بحقّه، غير أنّ حاله لم تكن كحال تسبي ليفني اليوم إذ إنّه يتمتّع بحصانة ديبلوماسيّة كونه يشغل منصباً حكومياً. وفي أيلول 2005 عاد الجنرال الإسرائيلي دورون ألموغ الى إسرائيل على نفس الطائرة من مطار هيثرو من بعد أن علم أن الشرطة البريطانية كانت تنوي اعتقاله بسبب اتهامه بإعطاء الأمر بهدم 59 منزلاً في غزة في العام 2002 من غير وجه حق. وامتد التوتر حيال قضية ليفني ليشمل السفير البريطاني في تل أبيب توم فيليبس، الذي سيتم استبداله هذا العام، حيث تمّ استدعاءه الى وزارة الخارجيّة التي شكت من طريقة التعاطي مع ليفني وحذرت من أن العلاقات الديبلوماسيّة بين البلدين قد تضررت كثيراً. ويرجّح أن تكون مذكرة التوقيف صدرت عن محامين يناصرون الفلسطينيين وحركة «حماس» ويقيمون في لندن ويعملون من أجل ضحايا الاجتياح الإسرائيلي لغزة. ووجهت إسرائيل تحذيراً الى بريطانيا في 15 كانون الأول الماضي مفاده أنّه سيتم تهميش بريطانيا في عملية السلام ما لم يتم سحب صلاحية المحاكم البريطانية في توقيف شخصيات إسرائيلية مهمّة. وسيلازم هذا التهديد الديبلوماسي، لعقود، كلّ خطوة تقوم بها بريطانيا ولا تعجب إسرائيل. لقد ظنّت وزارة الخارجيّة الإسرائيلية أن بعض «العناصر الراديكاليين» في بريطانيا يقفون وراء ما وصفته ب «تحرك المحكمة المثير للسخرية». وأضافت متفاخرةً «إن إسرائيل تدعو الحكومة البريطانيّة الى الوفاء بوعودها وتطالبها بمنع النظام القانوني البريطاني من التعرض لإسرائيل ومواطنيها بواسطة عناصر مناهضة لها. أمّا وزير الخارجيّة البريطاني ديفيد ميليباند، ذو الأصول اليهوديّة، والذي يعمل مع رئيس الحكومة غوردون براون الذي كان والده يرأس اللجنة الإسرائيليّة للكنيسة الاسكتلندية، فقد قرّر التصرف بخنوع عندما وصف دولة إسرائيل ب «الصديق الحميم» و «الشريك الاستراتيجي»، وأعتقد أن الصفة الأخيرة تستخدم لأول مرة من قبل وزارة الخارجية البريطانية. وقد يحتاج ديفيد ميليباند الى تذكيره بالتعاطي الإسرائيلي العديم الرحمة، الذي صدم البريطانيين، مع مليون ونصف المليون من سكان غزة. كما يحتاج الى التذكير بالحكومة الإسرائيلية التي تنتمي الى جناح اليمين وتؤيّد الاستيطان والتي تتشارك بالقليل مع سياسات حكومة غوردن براون العماليّة التي تحب أن يُنظر إليها على أنها منبثقة من الوسط. * سياسي بريطاني ونائب سابق