تطرح الأمسية الفنية الذي قدّمها مرسيل خليفة ضمن مهرجانات بيت الدين، عشرات الأسئلة عن تراجع بعض الفنانين الملتزمين في لبنان عن تقديم أعمال تحاكي واقعنا، أو الاستعانة بكلمات تألفها الأذن، تعبّر عن مشاعرنا وعواطفنا وأزماتنا ومشكلاتنا. أكثر من أربعة آلاف شخص، حضروا الأمسية، وغنوا مع خليفة كل ما قدّمه. منهم من رقص، ومنهم من احتضن حبيبة الى جانبه، وفيما البعض تذكّر فلسطين التي وجّه لها خليفة أكثر من تحية، مشدداً على عدم تناسي هذه القضية. إذاً المشكلة ليست في الجمهور، بل في ما يُقدَّم له. وهنا يتحمل مرسيل وزملاء له كسامي حواط وخالد الهبر وزياد الرحباني وغيرهم، مسؤولية في تدني مستوى الأغاني التي تغزو محطاتنا وإذاعاتنا. فهذه الأسماء وبسبب قلة الانتاج، توقف بعضها عن تقديم الأعمال الملتزمة، أو اكتفى بتقديم عمل خلال فترات متفاوتة، علماً ان مرسيل وزملاءه لم يتوقفوا عن بث أغاني الفرح في عز الحرب الأهلية اللبنانية. لكن مع انتهاء هذه المرحلة السوداء من تاريخ البلد، تغيرت الموازين الفنية، فاتجه البعض صوب التأليف والموسيقى، فيما اعتكف آخرون في منازلهم. يبدو واضحاً من تفاعل الجمهور مع الأمسية، أنه متعطش إلى هذا النوع من الأغاني، لكلمات قادرة على تحريك الأحاسيس، أو التشجيع على الثورة. الحفلة التي قدمها خليفة بمناسبة الذكرى الثلاثين لافتتاح المهرجان، تحت عنوان «وعود من العاصفة»، قدمها سابقاً في افتتاح المهرجان عام 1985. لم يتغير الكثير في لبنان منذ تلك الفترة. فالحرب الأهلية التي توقفت نيرانها عام 1990، انتقلت الى النفوس وباتت شبه خفية، وازدادت مشكلات البلد، وعادت التفجيرات إلى مناطق مختلفة منه، وبرزت مشكلة النفايات، إضافة الى أخرى صحية وغذائية واقتصادية واجتماعية. ما بين عامي 1985 و 2015، غنّى مرسيل للأرض والوطن والهوية والانسان، ورافقت أعماله جيلاً جديداً. ويبدو ان التقدم في السن بدأ يوثر على مرسيل، خصوصاً على صوته الذي بدا خافتاً نوعاً ما، وغير قادر على صعود طبقات صوتية عالية. لكن مرسيل بات حالة بالنسبة الى الجمهور، بغض النظر عن صوته، فالمهم ما يقدمه من كلمات وجمل موسيقية، وتفاعل الجمهور معه. قدّم أغنيات لها مكانة مميزة ضمن الأعمال الملتزمة ك «ريتا والبندقية» و «جواز السفر» و «بغيبتك نزل الشتي» و «يعبرون الجسر» و»يا معاول» و»يا بحرية» و»قصيدة حب»، كما قدّم أغنيتين للأطفال، وتحية إلى كمال جنبلاط وتشي غيفارا وفلسطين. الأعمال التي قدمها مرسيل برفقة رامي خليفة (بيانو)، اسماعيل رجب (كلارينيت)، جوليان لابرو (أكورديون)، حسن معتز (تشيلو) وبشار خليفة (إيقاع)، أتت ضمن قالب موسيقي جديد وتوزيع مختلف عن الأعمال القديمة. لكن الملاحظة التي تسجل على الأداء، ارتجال رامي خليفة على البيانو في أغنية «جواز السفر» الذي لم يكن موفقاً وفي غير مكانه وكان مزعجاً في أحيان كثيرة. نقل رامي الأغنية الرومانسية الى بعد جديد لا يليق بها. وهنا لا بد من طرح سؤال عن مدى تقبل مرسيل لهذا الارتجال الذي يظهر فقط براعة ابنه و»جنونه» في العزف. فئة كبيرة من الجمهور لم تتقبل هذا التجريب، خصوصاً من يحفظ غيباً الأغنية ويعرف مدى تأثيرها لدى تقديمها خلال ثمانينات القرن العشرين. وظهر الفارق واضحاً في أغنية «يا بحرية»، حين ارتجل اسماعيل رجب على الكلارينيت، معطياً الأغنية بعداً أجمل، وساعد في ذلك حنية الآلة ووقعها الهادئ على الأذن. ويستضيف قصر بيت الدين الأثري في الثامن من الشهر الجاري، أمسية كلاسيكية للمؤلف الأرمني تيجران منسوريان الذي برع في موسيقى الافلام مع الاوركسترا الوطنية الفلهارمونية الأرمنية. وفي 12 آب (أغسطس) سيكون محبو الجاز على موعد مع البريطانية ريبيكا فيرغسون التي ستقدم أجمل أعمال أسطورة الجاز الأميركية بيلي هوليداي (1915 - 1959). ويقدم الفنان العراقي كاظم الساهر في 14 و15 الجاري، أمسيتين خلال المهرجان، وهو تقليد بات سنوياً لمحبي المهرجان، على أن يقدم المخرج اللبناني هشام جابر مسرحيته الغنائية «بار فاروق» في 20 و21 و 22 في عرض غنائي موسيقي يحاكي موسيقى المسارح والكباريهات التي كانت منتشرة في بيروت في الثلاثينات من القرن الماضي والتي استمرت إلى ما قبل إندلاع الحرب الأهلية. ويستضيف المهرجان في 27 الجاري، السوبرانوا الروسية آنا نيتريبكو، على أن يختتم مع المطربة المصرية أمال ماهر التي اشتهرت بتأديتها لأغاني أم كلثوم.