شكل اتساع المواجهات بين «جبهة النصرة» من جهة والمقاتلين الأكراد وفصائل في «الجيش الحر» دربها الأميركيون من جهة ثانية، ضربة للتفاهم بين واشنطنوأنقرة إزاء فتح قاعدة انجرليك التركية أمام مقاتلات التحالف الدولي - العربي ضد «داعش» مقابل إقامة «جزر آمنة» في شمال سورية تسمح بعودة اللاجئين السوريين وتحول دون ربط الأقاليم الكردية الثلاثة خصوصاً بين عين العرب (كوباني) وعفرين في ريف حلب. وقال قيادي معارض قريب من الفصائل الإسلامية ل «الحياة» أمس، إن اقتحام «النصرة» مقر «الفرقة 30» في ريف حلب قبل يومين لم يكن حدثاً عرضياً بل إنه جاء «ضمن قرار مسبق لتنفيذ خطة تقضي بضرب هذا المشروع الذي مثلته الفرقة وعناصرها» الذين تدربوا لبضعة أسابيع في معسكر تدريب بإشراف أميركي على مواجهة «داعش» فقط من دون قتال القوات النظامية السورية. وكانت «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي أي ايه) اختارت حوالى 200 مقاتل من أصل 3250 تقدموا بطلبات الانضمام إلى معسكرات ضمن «برنامج تدريب وتسليح» المعارضة المعتدلة التابع لوزارة الدفاع (بنتاغون) الذي أقره الكونغرس الأميركي بموازنة قدرها نصف بليون دولار أميركي سنوياً لتخريج 15 ألفاً بعد ثلاث سنوات. وبمجرد وصول ال 200 إلى معسكر التدريب، رفض حوالى 150 منهم توقيع ورقة نصت على التعهد بعدم قتال قوات النظام والاكتفاء بمحاربة «داعش». وكان اتفاق بين الجانبين التركي والأميركي نص على مساهمة أكبر للاستخبارات التركية في عملية انتقاء المقاتلين وأن يكون بينهم تركمان سوريون. وقبل أسبوعين، عبر من باب السلامة على الحدود السورية - التركية حوالى 50 مقاتلاً بينهم قائد «الفرقة 30» العقيد نديم الحسن، برفقة سلاح وذخيرة وأدوات اتصال أميركية بحيث يستطيع المقاتلون طلب غارات جوية من التحالف لحمايتهم من «داعش». وبموجب الاتفاق، فإنهم انتشروا في خطوط القتال بين «داعش» وفصائل المعارضة في ريف حلب بالتزامن مع إعلان الصفقة الأميركية - التركية بعد زيارة الجنرال جون آلن منسق التحالف الدولي إلى أنقرة في 8 تموز (يوليو) الماضي. وأوضح المسؤول المعارض: «يبدو أن معلومات توفرت لقيادة النصرة بأن مروحة أهداف الفرقة 30 تدربوا على عمليات اغتيال مركزة وأن مروحة أهدافهم اتسعت لتشمل النصرة وليس فقط داعش»، مع الإشارة إلى أن خلافاً عميقاً يقوم بين واشنطنوأنقرة إزاء تحديد «النصرة»، لأن الجانب الأميركي يرى أن «النصرة» جزء من تنظيم «القاعدة» ومصنفة على القائمة الأميركية وقائمة الأممالمتحدة بأنها «إرهابية»، الأمر الذي يرفضه الجانب التركي ويتمسك بإمكانية دفع هذا الفصيل إلى الاعتدال ومحاربة المتطرفين، إضافة إلى كونها العمود الفقري في «جيش الفتح» الذي سيطر عليها معظم محافظة إدلب، إضافة إلى دعم «حركة أحرار الشام» والترويج لها كبديل إسلامي معتدل قادر على ضبط الأرض ومواجهة المتطرفين. وتابع المسؤول أن المواجهات في ريف حلب «تشكل ضربة للتفاهم الأميركي - التركي الأخير وبرنامج تدريب المعارضة المعتدلة ومشروع إقامة مناطق آمنة في شمال سورية»، ذلك أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان سمح بفتح قاعدة انجرليك أمام مقاتلات التحالف مقابل شن ضربات ضد «حزب العمال الكردستاني» في العراق و «داعش» في سورية، إضافة إلى إقامة «جزر آمنة» خصوصاً بين عين العرب وعفرين لمنع «كردستان ثانية على حدود بلاده بعد «كردستان العراق». وقال مسؤول غربي رفيع المستوى ل «الحياة» أمس أن أميركا ودولاً اوروبية أبلغت الجانب التركي عدم قبولها مهاجمة مواقع «حزب العمال» والأكراد و «الخلط في الأهداف بين داعش وحزب العمال»، مشيراً إلى أن «التقديرات أن هذه الهجمات لن تفيد اردوغان داخلياً». وعكس بيان «النصرة» في شأن المواجهات مع «الفرقة 30» الفجوة بين انقرةوواشنطن، إذ قالت: «بان زيف شعارات (أميركا) بتغيير سياستها من دعم الأنظمة إلى دعم مطالب الشعوب، وبدا ذلك واضحاً من خلال تحفظ الإدارة الأميركية على إنشاء مناطق عازلة أو ممرات إنسانية، ما جعل أهل الشام يتساءلون عن حقيقة الموقف الأميركي خاصة بعد وضع جبهة النصرة على قائمة الإرهاب ثم البند السابع (للأمم المتحدة) مع تجاهل جرائم النظام وشبيحته، حتى تجلت الحقائق واضحة بتصريح لأحد كبار مسؤوليها بعدم نية أميركا إسقاط نظام الأسد»، مشيرة إلى أن «الفرقة 30 نواة الجيش الوطني وثبت لدى الجبهة حقيقة مشروعهم من كونهم وكلاء لتمرير مشاريع ومصالح أميركا في المنطقة وقتالهم ل «التنظيمات الإرهابية» على حد وصفهم، وظهر هذا جليّاً من خلال التعاون والتنسيق الذي شهده الجميع بين الفرقة 30 وطيران التحالف والذي تدخل سريعاً للمؤازرة وقصف مواقع جبهة النصرة بأكثر من عشرة صواريخ» بعد المعارك قرب عفرين. ضمن هذا السياق، وسعت «النصرة» دائرة هجماتها. وقالت مصادر ان معارك عنيفة دارت أمس بين «النصرة» و «وحدات حماية الشعب» الكردي بين عفرين وبلدة اطمة على حدود تركيا «إثر محاولة الوحدات الكردية إقامة أبراج مراقبة في منطقة دير البلوط قرب أطمة، الأمر الذي رفضته النصرة واعتبرت هذه المناطق فاصلة بين مناطق الطرفين وطالبوا بإيقاف نصب أبراج مراقبة». وقال موقع «كلنا شركاء» المعارض إن «اشتباكات مماثلة دارت منذ عامين بشأن ذات النقطة وانتهى الخلاف بأن تكون تلال دير البلوط منطقة فاصلة بين عفرين والمناطق العربية». وتبادلت «النصرة» و «الوحدات» الاتهامات في شأن ما حصل، إذ قالت الأولى مدعومة بفصائل معارضة في بيان أن الأكراد «اعتدوا سابقاً على أراضي أهل أطمة واحتلوا التلال المطلة على أطمة، ما أدى إلى معركة دامت أكثر من 15 يوماً انتهت باتفاق تضمن انسحاب الحزب (الديموقراطي الكردي) إلى ما وراء نهر عفرين، وهذا ما لم يحدث وماطلوه مراراً وتكراراً وظلوا يحصنوا مواقعهم بحفر الأنفاق وعمل المتاريس، ثم حاولوا رفع أبراج اسمنتية مرتفعة ذات طلقيات مطلة على طرقات المسلمين ونقاط رباط المجاهدين، ما يؤثر بالسلب ويمثل خطراً حقيقياً على منطقة أطمة وما حولها، وهذا ما لا يقبل شرعاً ولا عرفاً ولا سياسة أن نعرض أمن المسلمين والمجاهدين للخطر القائم أو حتى المتوقع منطقة تعد عصباً للثورة السورية المباركة». في المقابل، قالت «وحدات حماية الشعب» إن الاتفاق السابق تضمن «على أن تبقى تلة أطمة منطقة خالية من المسلحين والطرف الآخر لم يلتزم بالاتفاق»، لافتاً إلى أن «قرى دير بللوط وديوان تابعة لمنطقة عفرين وليس لتلال أطمة وأن وحدات الحماية موجودة على تلال دير بللوط وديوان». وحذرت أنه «مهما خمد البركان سينفجر بقوة وسيطلق سيلاً من الحمم يجرف كل ما حوله وقد أعذر من أنذر». وأشار المسؤول إلى أن هذه التطورات تظهر «خللاً» في تفاهمات واشنطنوأنقرة ويطرح تساؤلات عن كيفية تنفيذ تركيا «الجزر الآمنة» بعد رفض واشنطن الحظر الجوي وما إذا كانت ستدفع أنقرة إلى التدخل مباشرة لفرض هذه «الجزر» بدعم من فصائل سورية بينها «النصرة».