لم تحد، قيد أنملة، طريقة نهاية حياة الطفل الصومالي أحمد محمد محمود، الذي شوّهت طلقة طائشة ملامح وجهه، عن المسار الطبيعي الذي آل إليه الوضع الصومالي العام في العقدين الماضيين: آمال عارمة، ثم يأس مقيت. في بداية هذا الأسبوع، وتحديداً يوم الاثنين، كان محمود، البالغ من العمر ثماني سنوات، على أحسن ما يرام. فمنذ أن ترك مستشفى كجابي قرب نيروبي في تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي لم يشتك من علة ولا عارض صحي. لعب مع أطفال جيرانه وقرأ القرآن وصلّى الصلاة مع الجماعة في المسجد القريب من بيت أحد أقاربه حيث كان يعيش موقتاً. لذا، لم يساور الطبيب بيتر إنثومبا الذي أجرى العملية الجراحية على وجهه، أدنى خوف بأن حياة محمود، الذي أحب اللعب بكرة القدم بعد المدرسة وحفظ القرآن إلى صورة «الملك»، في خطر. انكب الطبيب المجرّب مسروراً على العملية التي استغرقت أكثر من عشر ساعات وخرج منها مرتاحاً بالنتيجة: العملية الأولى تمت بنجاح. العملية كانت ببساطة نقل بعض اللحم من يده ورجله اليسرى وزرعها في مكان انفه السابق. وفي مساء يوم الثلثاء كان الطبيب يفكّر متى سيخرج محمود من غرفة العناية المركّزة، ويسأل نفسه: هل يمكن ذلك بعد يوم من العملية أم بعد يومين؟ فانحاز إلى الأخير وفضّل أن يُخرجه في صباح يوم الخميس. بيد أن القدر لا بد أن يسلك مساره الطبيعي، فلا تدري نفس بأي أرض أو ساعة تموت. في صباح يوم الأربعاء، لم يحدث أي شيء يكدّر صفو الأطباء والممرضات المتابعين لحالة محمود. إذ كان يتحدث مع أمه صافي محمد شيدني بعد أن أزال الأطباء أنبوب الأكسجين من فمه. وكانت شيدني هي الأخرى فرحة بما شاهدته من تحسن لدى طفلها. ولكن مع حلول الساعة الثامنة مساء حدث تغيّر مفاجئ: بدأ الطفل يتوغط الدم، بكمية يسيرة أولا، ثم بكمية هائلة. وفي خلال ثلاثين دقيقة، انهار الطفل ولم يستطع الأطباء إنعاش محمود الذي توفي سريعاً. وأدهش هذا الموت المفاجئ لطفل كل من تابع أحوال محمود منذ أن نسفت طلقة رصاص طائشة في مقديشو وجهه وشوهت ملامحه الأصلية إلى الأبد. كانت الطلقة قد حولت مكاني أنفه وفمه إلى فتحة تتثاءب. ولإنقاذ العين السليمة خلع الأطباء عينه اليمنى من أصلها. وزارت «الحياة» الطفل العام الماضي في سريره بمستشفى في ضاحية العاصمة الكينية، نيروبي، حيث كان يتلقى العلاج. وكانت أمارة الحياة المتبقية على وجه محمود المريع والمقزز آنذاك هي ترقرق عين تدمع ولسان صغير يقلب دون مرح حلوة حمراء تذوب بسرعة في مكان ما بين ما تبقى من جانبي فكيه السفليين. وتقول أم محمود وهي تكفف الدمع من عيونها: «لم أفكر ساعة بأن إبني محمود يموت بهذه السرعة. لم أحسب لها الحساب. كنت أفكر أنه سيتعافى وسينجح الأطباء في إعادة أنفه المدمر وشفته العليا حتى يعود وجهه إلى أصله. ولكن قدر الله وما شاء فعل. أحضرت محمود إلى كينيا سليماً معافى واليوم آخذه جثة هامدة». وكانت جمعية خيرية صومالية تتخذ من أميركا مقراً لها قد جمعت التبرعات من المواطنين الصوماليين في المهجر لنقل الطفل إلى كينيا على أمل تحويله لاحقاً إلى مستشفيات متخصصة في أميركا أو أوروبا. وتمثل مأساة محمود واحدة من معاناة آلاف الأطفال الصوماليين الذين أصيبوا في الحرب شبه المستمرة في بلدهم. ويفاقم غياب العلاج اللازم لهم والأطباء المتخصصون معاناة هؤلاء الأطفال في بلد مزقته الحروب الأهلية والفوضى القاتلة منذ أن أطاح أمراء حرب آخر دولة مركزية، ثم بدأوا التناحر في ما بيهنم. ويقول متابعون للشأن الصومالي إن الشهور المقبلة ستكون مفصلية بالنسبة إلى الحكومة التي يقودها الإسلامي شيخ شريف شيخ أحمد، وذلك بعدما فشل في جذب المعارضة الإسلامية التي حملت السلاح ضد حكومته التي لا تسيطر سوى على جيوب محدودة من العاصمة بمساعدة القوات الأفريقية المتمركزة فيها.