بات شهر رمضان موسماً درامياً بامتياز. فيه يُعرض أكبر عدد من الأعمال المصرية الجديدة. إلاّ أنّ الأمر تجاوز الموسم المصري ليُصبح موسماً عربياً يشهد غزارة في الإنتاج الدرامي بغرض عرض المسلسلات في رمضان. وكالعادة، تكرّر خلال الموسم الرمضاني الأخير سيناريو ظهور الممثل نفسه في أكثر من عمل، علماً أنّ هذا الظهور قد يُحسب أحياناً لمصلحة الفنان، بمعنى أنّه يكرّس حضوره كنجم ويرسّخ وجوده في عالم يشهد كل يوم ظهور وجوه شابة وجديدة. يحمل صبري فواز تاريخاً طويلاً على الشاشة. يقدم أدواراً ذات خصوصية، ويبني تاريخه بهدوء. وأثبت خلال هذا العام تنوع الأدوار التي يمكن أن يؤديها، بحيث ظهر في دورين متناقضين تماماً. الأول هو «الضوي» في مسلسل «العهد: الكلام المباح»، والثاني «محروس» في «بين السرايات». الضوي شخصية قوية يعتمد في قوته على سطوة مكتسبة من كونه رجل الدين، ويحرص على بقاء هذه السلطة بكل الطرق، معتمداً الدين قلعة حمايته. والشخصية القوية ليست جديدة على الأدوار التي يلعبها فواز في الدراما، فهو سبق أن قدم شخصية «سليم عثمان» في مسلسل «نيران صديقة» قبل عامين، وكان رجل السلطة قوي النفوذ الذي يسيطر ويدير بحكم سطوته ومنصبه. وعلى رغم تنوع مصادر القوة من شخصية إلى أخرى، امتلكت شخصية فواز أدوات هذه المنطقة وبات يسيراً عليه أن يقدم هذه النوعية من الشخصيات على الشاشة. أما «محروس» فيُعدّ إضافة في تاريخ صبري فواز، إذ يقدم شخصية مترددة ضعيفة، يتلعثم في كلماته، يخاف المواجهة، شخص غير صدامي بالمرة حتى مع إحساسه الداخلي بالظلم، حتى أنه في الواقع يُنكر هذا الظلم ويبرر له بمحبة. وخلال 18 حلقة من مسلسل «بين السريات»، لم يحتكّ «محروس» بأحد، حتى أنه لم يصطدم بزوجته التي تعنفه لضعفه وتخاذله، سوى في مشهد واحد حين يصفعها، وهو المشهد الوحيد الذي يقوم فيه بردّ فعل معين، إذا ما استثنينا مشهداً آخر في نصف الحلقة الثامنة عشرة حين يتواطأ مع شخص آخر بغية تغيير خطوط اللعبة بما ينبئ بتغيّر ما في الشخصية. ونجح فواز في الإمساك بشخصية «محروس» التي قدمها باحترافية شديدة وبراعة في الأداء، ما يثبت وجود ممثل لا يمكن أن يخضع للتصنيف. الرومنطيقي يقدم سيد رجب، الذي استطاع أخيراً أن يثبت نفسه ممثلاً قديراً، شخصية الفتوة في مسلسل «حارة اليهود»، وشخصية صاحب المكتبة في مسلسل «بين السرايات». قد لا يقدم رجب تنوعاً في دوره في «حارة اليهود»، لكنّ دوره في «بين السرايات» جديد ومميز، باعتبار أنه جمع المتناقضات في صورة مبهرة، وبساطة على طريقة السهل الممتنع. في أحد المشاهد، يلجأ «عادل حديدة» (محمد شاهين) الى «مخلص» (باسم سمرة) إلى السؤال عن مهندس صيانة لآلة التصوير، فيقترح «المعلم سيد» (سيد رجب) على «مخلص» أن يرسل إليه مهندساً غير ماهر حتى يُفسد آلته بغية التخلّص منه كواحد من المنافسين. يقدّم دور الشرير ببساطة لا تدفع الناس إلى كرهه إنما إلى الضحك من تلقائيته وفكره الشرير. أما في «حارة اليهود» فيجسد أيضاً مشاهد تؤكد تميزه كممثل مُتمكّن من الشخصية التي يؤديها. ممثلون وشخصيات ظهور ممثل في أكثر من عمل أمر شائع ومتكرر ليست له معايير أو مقاييس. يكاد المشاهد لا يذكر للممثل الشاب محمد الشرنوبي أدواراً أساسية، لكنه حضر هذا العام من خلال مشاركته في عملين، يقدم في الأول «بين السرايات» شخصية «وليد» الفلاح الآتي إلى القاهرة لاستكمال دراسته في إحدى جامعاتها، بينما يقدم في «العهد» شخصية أُبي بن سجاج. الدوران مختلفان والشرنوبي يقدم كل منهما بتمكّن، بدءاً من لهجته الريفية في «بين السرايات»، وصولاً إلى تفاصيل الشخصية الغامضة في «العهد». سامي العدل من الواضح أن أبطال مسلسل «بين السرايات» يقدمون مباراة في التمثيل من خلال مشاركات ثنائية أو متعددة، فالممثل الراحل سامي العدل قدم شخصية جديدة تماماً ومختلفة عن الأدوار التي سبق أن قدمها. وهو أيضاً حضر هذا الموسم من خلال دور جديد في مسلسل «حارة اليهود». لكنّ سامي العدل برع في دور «زينهم» في «بين السرايات»، وكأنه أراد أن يؤكد مرة جديدة -وأخيرة للأسف- أن لديه المزيد ليفاجئ المشاهدين به. جاء أداء العدل في هذه الشخصية ليصنع إضافة في ذاكرة المشاهد الدرامية، ف «زينهم» كبير في السن لا يعمل، ويكتفي بأن يلعب «دومينو» في المقهى مقابل مال (مقامرة)، إلاّ أنّه يخسر دائماً ويورّط ابنه معه من دون قصد، ما يجعل المشاهد في حيرة من أمره، هل يكره الشخصية أم يتعاطف معها؟ وليد فواز يظهر أيضاً وليد فواز في مسلسلي «العهد» و«حارة اليهود». وعلى الرغم من تشابه الشخصيتين، يلعب فواز في «العهد» دور «كبير الغفر»، وهو منصب وصل إليه بالتحايل والفساد، بينما يقدم في «حارة اليهود» دور صبي «الفتوة» الذي يترك «زعيمه» ويتجه ليتعاون مع الإنكليز. يؤدي هذه الشخصية بأسلوب كاريكاتوري، يُضخّم فيه التفاصيل النافرة، مستخدماً «إفيهات» خاصة ونمط مختلف وجديد بالنسبة إليه، فيذكرنا بأداء بعض الممثلين الكبار في أعمال معينة، ومنهم محمود عبد العزيز مثلاً في بعض أفلامه. ليسوا هؤلاء فقط، بل إنّ كثيرين آخرين شاركوا في أكثر من دور وفي أكثر من عمل خلال هذا الموسم الدرامي. لكنّ الأكيد في هذا الإطار أنّ التعددية في المشاركات والأداء ليست إشارة بالضرورة إلى اختيارات مميزة، ولن تكون ثنائية الظهور إضافة ثابتة في تاريخ الفنان.