أعرب رئيس «الجبهة المتحدة للمقاومة» في دارفور بحر أبو قردة عن ثقته بالبراءة من تهمة قتل جنود تابعين للاتحاد الأفريقي، وهو أول سوداني يمثل أمام المحكمة الجنائية الدولية طوعاً، وتوقع أن تبت المحكمة قضيته خلال الشهر المقبل. «الحياة» التقت أبو قردة في الدوحة حيث يجتمع مع قادة حركات دارفورية مسلحة استعداداً للمفاوضات المرتقبة مع الحكومة السودانية في الدوحة أيضاً. وتناول في حديثه شؤوناً سودانية، خصوصاً وضع إقليم دارفور، وهنا نص المقابلة مع القيادي البالغ من العمر 47 سنة والمشارك في تأسيس «حركة العدل والمساواة» عام 2000 قبل أن يتركها في 2007 مؤسساً «الجبهة المتحدة للمقاومة»: نبدأ من هدف زيارتكم الدوحة؟ - أزور قطر بدعوة من الوساطة القطرية والوساطة الأفريقية - الدولية في شأن دارفور، ومعلوم أن «الجبهة المتحدة للمقاومة» وبعض الحركات - الدارفورية المسلحة) سبق أن توصلت الى تفاهمات في أديس أبابا في شأن التوحد والتفاوض، وجئنا بهدف إجراء مشاورات تمهيدية لا مفاوضات. وبحضور كل الحركات في الدوحة هناك فرصة للتشاور تمهيداً للمفاوضات المقبلة مع الحكومة السودانية. هل لدى حركتكم برنامج لتوحيد الحركات الدارفورية؟ - برنامجنا بدأ في أديس أبابا حيث وضعنا خريطة طريق للتوحد في ميدان المعارك في دارفور، لكن حدثت عقبات إجرائية ولوجستية والجهود مستمرة في هذا الشأن، وهناك تنسيق على المستوى الفني والإداري بين الحركات التي اتفقت على تلك الخريطة. وبعد انتهاء المشاورات (في الدوحة) سنواصل الجهد نفسه ونذهب جميعاً الى الميدان ونكمل الوحدة، كما سنتواصل مع حركات أخرى، لأنه لا حل لقضية دارفور إلا بتوحيد الحركات كلها. وما هي الحركات الأقرب الى التوحد مع الحركة التي ترأسها؟ - الى جانب «الحركة المتحدة للمقاومة» ضمت خريطة الطريق في أديس أبابا حركة تحرر السودان بقيادة أحمد عبدالشافع، وحركة تحرير السودان (قيادة الوحدة)، وحركة تحرير السودان التي تمثل مجموعة انشقت عن عبدالواحد نور (رئيس حركة تحرير السودان المقيم في فرنسا). إضافة الى ذلك جرت مشاورات مع حركات لم تحضر اجتماعات أديس أبابا لكنها التحقت بخريطة الطريق وتبنتها، وهي «جبهة القوى الثورية»، و «حركة العدل والمساواة» (إدريس أزرق)، و «حركة تحرير السودان» (القومية). هذه الحركات متفقة على خريطة طريق واحدة وبرنامج واحد هو برنامج الوحدة في الميدان (في دارفور)، واعتقد انها بعد المشاورات (في الدوحة) ستواصل مسيرتها، وأرى أن ما تحقق في الفترة الماضية كبير جداً، ويمكن اكمال ما تبقى في وقت قريب. وهل لديك علاقات مع حركة العدل والمساواة برئاسة الدكتور خليل ابراهيم باعتبارها الحركة الأم، أم أن هناك قطيعة؟ - لا أعرف ما المقصود بحكاية (حركة أم)، حركة العدل والمساواة - مجموعة خليل واحدة من الحركات (الدارفورية)، لكنها حركة اقصائية، ودائماً يتراجع خطابها السياسي والاعلامي، وهذا جعلها تفقد الأرضية بعدما كانت حركة كبيرة ومتماسكة. وعلى رغم ذلك نحن لا نعزل أحداً فإذا رغبوا في التوحد (حركات أخرى) عليهم تبني القضايا التي تبناها الناس، أما اذا كان برنامجهم هو المعروف عنهم فهم الخاسرون. وهل لديك اتصالات مع وفدهم الموجود حالياً في الدوحة؟ - لا توجد اتصالات، لكننا من حيث المبدأ لا اعتراض لدينا ولا تحفظ في شأن مقابلة أحد. وكيف ترى علاقتك مع عبدالواحد نور زعيم حركة تحرير السودان المقيم في فرنسا؟ - علاقتنا مع عبدالواحد طيبة وبيننا اتصالات، ونأمل بأن نمشي معه على طريق الوحدة (توحيد الحركات). في الدوحة حالياً أشخاص قيل انهم من جماعة عبدالواحد وقال مراقبون دارفوريون أنهم انشقوا وخرجوا من حركة عبدالواحد، اين الحقيقة؟ - هولاء الشباب على رغم خلافاتهم الداخلية (مع عبدالواحد) يقولون أنهم ما زالوا تحت قيادته، وعلى رغم انهم متفقون معنا على خريطة الطريق (التوحيدية) الا أنهم لم يقولوا يوماً أنهم خرجوا من (حركة) عبدالواحد، لكن من الناحية العملية هناك بعض الاشكالات التي يمكن أن يتجاوزوها. ننتقل الى قضيتك مع المحكمة الجنائية الدولية، أنت استجبت طلب المحكمة ومثلت أمامها بتهمة قتل جنود تابعين للاتحاد الافريقي في دارفور، فما هي ابرز خلفيات القضية وماذا تم حتى الآن؟ - استدعتني المحكمة (الجنائية الدولية) واستجبت، ومثلت للمرة الأولى في قاعة المحكمة في أيار (مايو) الماضي. وما طبيعة التهمة التي وجهتها اليك المحكمة؟ - تتعلق بهجوم حدث في منطقة حسكنيتة (في دارفور)، وبالفعل حدث الهجوم لكن لا علاقة لي بهذا الموضوع على الاطلاق وهناك جهات منافسة (له) سياسياً قدمت معلومات خاطئة ومضللة (الى المحكمة الدولية) التي لم تتأكد من التهم، وحتى الآن لم تبدأ القضية، فالمحكمة (الجنائية الدولية) لديها مراحل، وبينها مرحلة تأكيد التهم. وإذا وجدت أن التهم غير مناسبة أو غير مؤكدة أو غير مقنعة فانها ستشطب القضية، وإذا وجدت بعض الأشياء المعقولة يمكن الاستمرار في هذه المسألة (المحاكمة). ومتى سيتم التأكد من التهمة؟ - في شباط (فبراير) المقبل ستظهر نتيجة تأكيد التهم، وهل هي مقنعة أم لا، وإذا لم تتأكد التهم ستشطب القضية، وإذا تأكد جزء يسير منها سأواصل السير في مرحلة القضية. وكم عدد قتلى الاتحاد الافريقي الذين اتهمت بقتلهم؟ - إثنا عشر شخصاً ماتوا في تلك العملية. وما توقعاتك في هذا الشأن؟ - أعتقد أن المحكمة ستشطب القضية، ومن خلال متابعتنا للقضية والمرافعات القوية التي قدمها محامينا كريم خان (بريطاني من أصل باكستاني)، فقد تم تفنيد معلومات المحكمة الجنائية الدولية، والشهود (أفارقة) قدموا معلومات مغايرة للمعلومات الموجودة في المحكمة، فقد أكدوا أنهم لم يروني اطلاقاً قبل دخولي الى المحكمة ويعتقدون أن الأمر (قتل جنود افارقة في دارفور) يتعلق بأشخاص آخرين. وقيل ان هناك شهوداً سودانيين نحن لا نعرفهم، وأطلعنا على بياناتهم لكنهم لم يذهبوا الى المحكمة، وهذا يعني أنه لا توجد جدية، لأن في المحاكمات دائماً يتم تقديم الشهود الأقوياء. وإذا لم تشطب المحكمة القضية في البداية فستنظر في اشياء بسيطة جداً ثم تشطب التهمة في مرحلة لاحقة، وهي لن تستمر وقتاً طويلاً. وإذا قامت المحكمة الجنائية بتثبيت التهمة ضدك هل ستعتقلك؟ - أنا مستعد وتعاوني مع المحكمة لم يكن مناورة، بل نتاج قناعة لأننا أصلاً نقاتل (الحكومة السودانية) من أجل العدالة، وبالتالي يجب أن تسري العدالة على الجميع، لكنني أعتقد ان القضية ضعيفة جداً. من أو ما هي الجهة أو الأشخاص الذين تسببوا في رأيك في ادخالك الى المحكمة الجنائية الدولية او قاموا بتسريب المعلومات اليها؟ - هم مجموعة خليل ابراهيم (رئيس حركة العدل والمساواة) من منطلق تنافس سياسي، وقدموا معلومات مضللة، وهم صرحوا بذلك في «بي بي سي» والصحف السودانية واطلقوا تهماً كثيرة ليس ضدي فقط بل ضد قادة عسكريين في الحركة (العدل والمساواة). الرئيس السوداني عمر البشير مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، ما رأيك؟ - العدالة تسري على الجميع، ولا أحد اسمه رئيس في السودان في هذا الإطار. هناك تنديد في السودان بالمطالبة بمثول الرئيس السوداني أمام المحكمة، وهناك دعوات تنادي بمحاكمة داخلية في شأن اتهامات بجرائم حرب في دارفور، أو تشكيل محكمة هجين من قضاة عرب وأفارقة لمحاكمة متهمين في هذا الشأن، كيف تنظر الى تلك الدعوات؟ - توصيات ثباو مبيكي رئيس لجنة الحكماء الأفارقة التي تضمنت اقتراح المحكمة الهجين غير واضحة، ما معنى محكمة هجين، من اين سيأتي القضاة، ما دور القضاء السوداني، وما علاقة المحكمة الجنائية بالمحكمة الهجين، لا شيء واضحاً في هذا الشأن، لكن الموجود هو المحكمة الجنائية الدولية. الانتخابات السودانية على الأبواب، ما رأيك؟ - بدأت مزورة، وستستمر مزورة، والنتيجة نهائية ستكون مزورة، لا قيمة للانتخابات، كان هناك تزوير واضح للاحصاء (للتعداد) السكاني، وخلل واضح وتزوير واسع النطاق في السجل الانتخابي، وهذا ما اكدته أحزاب سودانية ومنظمات مجتمع مدني. مبدئياً، لسنا معنيين بالانتخابات قبل حل مشكلتنا (مشكلة دارفور)، وإذا حدثت انتخابات من غير مشاركة دارفور ستحدث تداعيات يصعب السيطرة عليها مستقبلاً. يجب حل مشكلة دارفور، بل مشاكل السودان، قبل الانتخابات. يقال إن جنوب السودان في طريقه الى الانفصال؟ - قناعتي أن الجنوب (على طريق) الانفصال، والسبب أن كثيرين داخل الحكومة السودانية غير حريصين على الوحدة اصلاً، وهذا ما شجع انفصاليين في الحركة الشعبية ليكون صوتهم أعلى. لكننا ندعو في ما تبقى من الوقت (قبل اجراء الاستفتاء على استقلال أو انفصال الجنوب في عام 2011) القوى السياسية الفاعلة في البلد وحتى الحكومة لئلا يحصل الانفصال، فإذا حصل يصعب أن نتصور البلد بعد عشر سنوات أو عشرين سنة من الآن، الجنوب لن يستقر والشمال كذلك، وسينسحب ذلك على مناطق أخرى في السودان. إذا انفصل جنوب السودان مثلاً، كيف سيكون مستقبل منطقة جبال النوبة ومنطقة النيل الأزرق ومناطق أخرى، وهناك اصوات نشاز تدعو لتقرير مصير دارفور، وسبب ذلك جاء من خلال تشجيع انفصال الجنوب، ويجب العمل لئلا ينفصل الجنوب مهما بلغت التضحيات. والمطلوب تفكير جديد وسريع لاعادة ترتب الأمور في السودان ولو أدى ذلك الى جعل الجنوبين حكاماً للسودان كله لئلا ينفصل الجنوب، او على الأقل اقامة اتحاد كونفديرالي بين الشمال والجنوب. لكنني أعتقد أننا وصلنا الى مرحلة صعبة جداً تجعل الحفاظ على وحدة السودان صعبة جداً. يتردد أن هناك اصواتاً دارفورية بدأت تدعو الى تقرير مصير دارفور وبينهم رئيس حركة تحرير السودان عبدالواحد نور، ما رأيك؟ - صعب جداً أن ننسب هذا الكلام الى عبدالواحد، بحسب متابعتي فإن أصواتاً في حركة عبدالواحد قالت ذلك الكلام، لكن عبدالواحد شخصياً لم يصرح بذلك، بل نفى في بيان ما نسب اليه في هذا الشأن.أعرف أن هناك أصواتاً هنا وهناك، بدأت الكلام عن تقرير المصير، يجب الانتباه الى أن الجنوبيين كانوا يطالبون في بداية مرحلة استقلال السودان بالفديرالية، وعندما أصبح صعباً تحقيق ذلك واستمر الظلم طالبوا بحق تقرير المصير. ولئلا تعطى فرصة لمتطرفين من أبناء دارفور في المدى البعيد للتفكير في تقرير المصير، يجب أن نعالج مشاكلنا العادية لنحافظ على تماسكنا. نحن في «الجهة المتحدة للمقاومة « وحدويون، وقناعتنا وحدة السودان، ونحن ضد انفصال الجنوب وضد انفصال دارفور، ونعتقد أن أي شخص يتحدث عن انفصال دارفور فهو خارج نطاق المعقول. أستغرب التفكير في انفصال دارفور، لأن دارفور هي السودان، وهي قدمت مساهمات كبرى في العالم العربي سواء في مجال العلم أو غيره، كما ان أهل دارفور موجودون في كل السودان، في العاصمة (بمدنها الثلاث الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري)، وهم موجودون وعاملون في المشاريع القائمة في الولاية الشمالية، إن دور دارفور الاجتماعي ينافس دارفور الجغرافيا. هناك ظلم في دارفور، لكن حقنا نطالب به في اطار السودان الواحد، ومن لا يريد ذلك ينفصل «على كيفه»، أما نحن فندعو للوحدة (في السودان كله) ونعمل من أجلها. يلاحظ أن قادة احزاب أقدموا على الترشح للانتخابات الرئاسية في نيسان (أبريل) المقبل، وهم قلقون مثلك من عدم نزاهة الانتخابات كما انتقدوا ما وصفوه بمخالفات في عمليات تسجيل الناخبين، فهل توافق على أن السودان مقبل على تحول ديموقراطي؟ - لا أعتقد بوجود تحول ديموقراطي قبل حل مشكلة دارفور ومشاكل أخرى، خصوصاً قضايا العدالة والمشاركة في السلطة والثروة، ليس لأهل دارفور فقط، بل لكل أهل الأقاليم (السودانية). أحزاب المعارضة السودانية اشترطت في اجتماع جوبا حل قضية دارفور حتى تشارك في الانتخابات، الا أن الأمور للأسف غير ذلك، لكن مهما عملوا لن يتغير شيء في الوضع القائم ( يقصد سياسة النظام السوداني). وهل أنتم راضون عن الدور الأميركي؟ - دور الادارة الأميركية السابقة كان سلبياً والدليل أن اتفاقية ابوجا (لحل أزمة دارفور) لم تعالج المشكلة، الآن هناك دور إيجابي للادارة الأميركية الجديدة، وهي تقوم بتحرك كبير جداً، لكن مشكلة درافور تعقدت (بعد اتفاق أبوجا) ولا نعتقد أن حلها سيكون سهلاً، لكن توجهات ومحاولات الادارة الأميركية الحالية لحل القضية ايجابية. وما هي الرسالة التي توجهها؟ - من خلال صحيفة «الحياة» أوجه دعوة للحركات (الدارفورية) الموجودة في الدوحة حالياً لإجراء مشاورات جادة، خصوصاً في ما يتعلق بالتوحد (توحيد الحركات المسلحة)، ثم التفاوض (مع الحكومة السودانية) لكن، من دون إرادة للحل لدى الحكومة السودانية التي يفترض ان تقدم تنازلات لا يمكن حل القضية. أعتقد أن ارادة توحيد الحركات في يدنا نحن، وليس في يد الحكومة السودانية، على رغم وجود تأثيرات سلبية اقليمية أو ودولية أو محلية او داخل الحركات، وأعتقد أن لقاء الحركات في الدوحة فرصة يجب انتهازها لتوحيد الحركات حتى نحل مشكلة دارفور. الرسالة الثانية للشعب السوداني، وهو معروف بتاريخه ووعيه السياسي، على رغم سوء الادارة في الحكومات الوطنية المتعاقبة، حيث نخبة معينة حكمت السودان وأوصلت البلد الى هذه المرحلة. رسالتي للشعب أننا في مرحلة لا تحتمل المخاطر التي شهدها السودان في الفترة الماضية، فالبلد مهدد بالانهيار والانقسام، ولا بد من اتخاذ مواقف واضحة وحاسمة وسريعة للحفاظ على البلد ابتداء من جنوب السودان، وتقديم التنازلات، والضغط على الجميع، لأن وحدة البلد وتماسك الشعب حول مصالحه الاستراتيجية هما الأساس الذي ينبغي أن يبني عليه الناس في المرحلة المقبلة والا فإن البلد للأسف يمكن أن يخرج من دائرة السيطرة (نحو التشظي والانفلات).