الدكتور محمد العبداللطيف من أوائل المتخصصين بالترجمة، ولكن تخصصه هذا لم يجد متسعاً في فضاءاتنا فظل أسير مساقات ضيقة جعلته يفقد وهجه وتأثيره، يحزن كثيراً لحال الترجمة عندنا تعليماً وعملاً. ويرى أنها جدار قصير يتسلقه الكل ويعبث به بل ويجر علينا ويلات وهو لا يدري، يعجبه الحراك ولكنه يخاف أن يتحول من عمل مؤسسي إلى عمل فردي، مارس الكتابة الصحافية في أكثر من مطبوعة ولكنه لا يحفل بها كثيراً. ويرى أن مناخنا الصحافي لا يزال مختنقاً... هو من نجد ولكنه يدين للطائف بالكثير، وله رؤية حول الشخصية السعودية والمناطقية. الدكتور محمد صراحته مثيرة لكنها تحرمه الفرص. وهو هنا يفجّر قضية جديدة حول الدكتور عبدالوهاب المسيري - رحمه الله - يتهمه فيها ببعض التجاوزات الفكرية والعلمية، ولضيفنا رؤية حول المرأة ليست متزلفة وليست معنفة، ولكنها بَيْنَ بَيْنَ... لن نطيل عليكم ... فإلى تفاصيل الحوار: أنت من شقراء ونشأت في الطائف وسكنت الرياض... ماذا منحت تلك المدن شخصيتك؟ - أنا سعودي وُلِد ونشأ في الطائف، ومنحتني نشأتي في الطائف غريزة مصقولة في الحفاظ على البقاء في أجواء نصف مستأنسة آنذاك، أما شقراء والوشم عموماً، لأنه توجد جذور لي في أشيقر، والقرائن أيضاً، فهي العودة للصفاء والاستجمام والهروب من الرياض. الشخصية النجدية... لماذا تطاولها الاتهامات من كل جانب؟ - الشخصية النجدية قاسية، ورهابية عموماً في علاقاتها مع الآخر، فهي وليدة طبيعة مفرطة في القساوة، وتاريخ طويل من الخوف والرعب والتوجس، وعدم الاستقرار، وكانت إلى عهد قريب منفتحة فقط إلى أعلى أي إلى السماء، فلا بحر، ولا شجر، ولا ثمر صحارى غير منقطعة من القحط والرمال. ملامح الشخصية السعودية... هل تسكنها المناطقية أم الوطنية؟ - ليست هناك شخصية سعودية بمعنى الكلمة، فهناك أطياف، وأشكال من الشخصيات تدخل ضمن هذه الشخصية العامة، وعندما نتكلم عن الكليات علينا النظر أيضاً في الفوارق، وبشكل عام كانت الشخصية السعودية بحكم التباعد والانعزال أكثر مناطقية منها اليوم، غير أن سبل الوصول والتواصل هذّبت هذه الروح. وعموماً الشخصية السعودية، إذا جاز لنا التعبير، تتغير وتتكيف بحسب الظروف. ومسابقات الشعر الشعبي «الذي يبالغ في الافتخار الفارغ»، والتشجيع الكروي، تغذي القبلية والمناطقية ولا تساعد كثيراً في القضاء عليها. وتنمية الروح الوطنية واجب على الحكومة والشعب، على حد سواء. النص في حياتك... هل كان على هواك، أم أجبرك على الخروج عن نسقه؟ - أنا لم أدخل النص حتى أخرج منه، وأتمنى لو أستطيع أن أبدأ حياتي بالمقلوب، أي من الخلف، وللأسف فإن الحياة نَصٌّ ينفتح لمرة واحدة فقط، ومعناه دائماً في آخره حيث الخلاصة، ونحن - أفراد في العالم العربي الإسلامي - مفردات نصّية متناهية الصغر في رواية سردية طويلة مملة ذات بعد واحد، وليس لأي منا نص خاص به، إلا ربما في اللحد حيث يشيع الفرد في مجتمعنا لنصه الحقيقي. صراحتك المطلقة... هل تجر عليك الويلات؟ - نعم، وبكل فخر! فالصراحة في زمن يسوده النفاق تؤذي صاحبها، وكثير ممن أعرفهم يؤيدونني في السر ويداهنون في العلن، وأنا وليد ثقافة ترى أن «الساكت عن الحق شيطان أخرس»، كما علمنا خير البرية، ولكن تلك وللأسف سنة من السنن المهجورة. وقد حاولت النفاق وما استطعت، على رغم أنني أعترف بممارستي النفاق مرة أو مرتين «مكره أخاك لا بطل»، ودفعت ثمناً ضميرياً باهظاً لذلك، ولم أتصالح مع نفسي بعهدها بسهولة. وأنا، كما يقال، لم أتعلم كيف تُؤْكَل الكتف، ولا أعتقد بأن الخرق اتسع على الراقع. اللغات والترجمة ما الذي جعل اللغة والترجمة تستأثران بك في دراستك الجامعية؟ - المرض، والصدفة، والحاجة. فالالتهابات والآلام المبرحة التي لم تنفك تهاجمني في صغري أيام الاختبارات والأعياد، حرمتني من الدخول للمجال العلمي. ودخلت كلية التربية لحاجتي آنذاك إلى مكافأة قيمتها 370 ريالاً و35 هللة، وكانت رغبتي أيضاً أن أدخل كلية التجارة. ودخلت قسم اللغة الإنكليزية عندما كانت الإنكليزية كالفاكهة بين الناس، وبعد البعثات المكثفة، أصبحت رطانة يرطنها الجميع، بمن فيهم الجهلة، بل قد تكون أضحت الرطانة الأولى في المملكة. كيف تقوّم الخطط الدراسية لأقسام اللغات والترجمة في جامعاتنا؟ - في نظري هي في وادٍ والترجمة في واد، وفي مجال الترجمة قد يتدرب الطلاب في الأقسام على الإساءة للترجمة لا غير. وعموماً مجال الترجمة في المملكة محتل بالكامل من فلول المتخصصين في تدريس اللغة الإنكليزية كلغة ثانية الهاربين من تخصصهم، وهم يجتهدون وفي بعض الأحيان لا يصيبون. والمفارقة غير المنطقية، هي أنه ليس هناك قسم، أو كلية، أو مركز، أو جائزة في المملكة للترجمة يديرها متخصص في دراسات الترجمة. ومع ذلك نشتكي من تردي وضع الترجمة في البلاد وفي الجامعات. ومجال الترجمة، ولا سيما النظري، معقد جداً وعصي على الفهم، وهذا ما سمح للبعض باللت والعجن فيه. وهذا ليس مستغرباً عندما يعتقد بعض المسؤولين بأن اللغات كلها مجال واحد وأنها كلها «إنكليزي»، وبعض مراكز الترجمة الرئيسية في بلادنا يترأسها جيولوجيون وكيماويون كوجاهة عامة. اللغة والنقد، السياسة والمجتمع... أي تلك الجهات يتجه إليه قلمك أكثر؟ جميعها مرتبطة، وهي جميعها أسواق ثانوية لأفكار فلسفية مستخدمة، فالسياسة مثلاً تستخدم اللغة للضحك على المجتمع، والنقد ينصب التماثيل ليعود في ما بعد ويأكلها مثل ما كان يفعل العرب في الجاهلية. وقلمي المسكين ضائع بينها جميعاً. ما الاختلاف الذي ترصده بين الإنكليزية والفرنسية؟ وهل تنافسهما له خلفيات سياسية واستعمارية؟ - كلها لغات مثل بقية اللغات الأخرى، وهي لغات حققت انتشاراً بفضل الاستعمار والقوة، وتعتمد في بقائها وانتشارها على الاستعمار أيضاً، استعمار قد لا يكون مادياً بالضرورة، بل فكري واقتصادي، وأدبيات دراسات ما بعد- الاستعمار ترى للنخب الوطنية، سياسية وفكرية وتكنوقراطية دوراً مهماً في ذلك. هل شوهت أميركا ثوابت اللغة الإنكليزية... وخرجت على النسق الإنكليزي؟ - لا أعتقد، فالذي تكسب به تكلم به، مع الاعتذار للرياضة. وعموماً ليس للإنكليزية ثوابت بمعنى الكلمة، وهي من أسرع اللغات تكيفاً مع المتغيرات. نحن نكثر من ترجمة النتاج الآخر، ولكن الآخر... هل يهتم بترجمة نتاجنا؟ - نحن ببساطة نقدسهم وهم ببساطة لا يكترثون لنا. وما الترجمة، كممارسة، إلا تجسيد لموازين القوى الفكرية والحضارية. وغالباً ما نترجم للآخر لنعيد تأليفه بلغتنا، أي بعبارة أخرى نطليه بطلاء عربي وكأنما هو أصلاً لنا، وقد ندّعيه نوعاً من الريادة في ثقافتنا. دائماً يرهقنا البحث عن تعريب المصطلحات الأجنبية... هل لغتنا توقفت خصوبتها؟ - لا أبداً، بل عقولنا هي التي فقدت خصوبتها، فلماذا الحاجة لمصطلحاتهم في المقام الأول؟ نحن وضعنا ثقافتنا في قوالب جامدة تمنعها من النمو، تماماً مثلما يفعل الصينيون بأقدام بناتهم، وهم أطلقوا العنان لثقافاتهم بالنمو والازدهار، ونحن نحاول أن نستعير منهم لنرقع النقص الذي لدينا جراء وأد ثقافتنا. ترجمة اللغة الإنكليزية بعض المؤسسات الحكومية تتصدى للترجمة... ما رأيك في مبادراتها تلك؟ - عند الحاجة فقط. أما إذا كنت تقصد الجوائز الحكومية، فهي تحقق الأهداف التي وضعت من أجلها، بصرف النظر عن ماهية هذه الأهداف. ونحن نعيش وهماً كبيراً وهو أن الترجمة ستنتشلنا مما نحن فيه من «حيص بيص» حضاري. أشرفت على إدارات للترجمة في بعض الوزارات... ما أبرزُ السلبيات والإيجابيات في تجربتك هذه؟ - لم تكن هناك سلبيات بالمعنى الحقيقي أو إيجابيات بالمعنى الحقيقي، ولكني اكتشفت فيما بعد أن بعضهم كان يريد مني أن أعمل «كعرضحالجي» بالإنكليزي أي مترجم شخصي فقط أكتب ويوقعون، ولم يطلب مني أو يسهل لي أن أبني أو أطور إدارات حقيقية للترجمة. وقد وجدت أحياناً أن كثيراً من وظائف الترجمة يُرَقّى عليها أناس لا يعرفون كتابة أسمائهم باللغة الأجنبية، لأنها تقبع مجهولة في ملفات شؤون الموظفين، تخرج عند الحاجة للترقية فقط. ولي تجربة من أسوأ التجارب مع وزارات التربية والتعليم أثناء مرحلة التطوير سابقاً. الاتفاقات الدولية... هل تحرجنا الترجمة أحياناً؟ - بالتأكيد، وقد ضحك علينا في قضية مشهورة المتعلقة بترجمة القرار 242: انسحاب من أراض، أو الانسحاب من الأراضي، ومن يدري قد يكون الخطأ متعمداً لحاجة بعض الأنظمة لقشة يطفون بها على سطح الهزيمة الكبيرة، أو «النكبة» كما سمّوها. أما على المستوى المحلي فقد لاحظت أخيراً أن من يستطيع من الدوائر المحلية أن يتدبر أمره بالإنكليزية فعل ذلك. ترجمة المؤتمرات واللقاءات عندنا.. هل أنت راضٍ عن آليتها؟ الطاسة ضائعة في هذا المجال بين توقعات المشرفين على هذه المؤتمرات غير الواقعية، وإمكانات المترجمين غير المتفرغين المتواضعة. وأحياناً يكون من الصعب متابعة أو فهم المتحدث في المؤتمر بالعربي، فكيف بترجمته. وعموماً لم يتصدَّ أحد لتطوير هذا المجال بعد. الجمعية السعودية للغات والترجمة... أليس في الإمكان أحسن مما كان؟ - أتمنى لو سالت، أليس في الإمكان أن تغلق؟ فهي مثل شاخص على كيفية استغلال ما يفترض أنه نشاط عام مفيد إلى مصالح شخصية ضيقة؟ وأتمنى لو نط بعض الزملاء، ولا سيما أولئك الذين كانوا في مجلس الإدارة السابق عن تجربتهم فيها، وليست مجلة «عين» إلا شاهداً قوياً على ما أقول، والزملاء يعرفون بالضبط ما أقصد. وأمرها معروف لدى الكثير من عملوا في هذه الجمعية وتركوها. الحراك الذي تشهده جامعة الملك سعود يراها البعض مجرد ضجيج وهالة فقط... ما رأيك؟ - أنا أعيش في قلب هذا الضجيج، وأحس به، ولكن لا نار من غير دخان، والدكتور عبدالله العثمان طلب من الجميع أن يحكموا عليه فيما بعد، وأنا أتفهم ذلك. والحق يقال، لا مقارنة بين الجامعة اليوم وما كانت عليه في الأمس. الدكتور عبدالله شخص ذكي وهو يريد أن يستفيد من الفرصة التي أتيحت له، وقد أتيحت لغيره ولم يستغلها، في تسطير اسمه في سجل تاريخ بلاده بجامعة قوية عصرية. والمسؤولية تقع على الجميع، وأتمنى ألا يخذل منسوبو الجامعة مديرَهم. ويكفي أن مديري الجامعات الأخرى أصبحوا يحسون بضرورة مجاراة جامعة الملك سعود. جامعة الملك سعود... هل أنصفتك؟ - الجامعة بالنسبة إليّ كليتي، اللغات والترجمة، وبما أني أحد القلائل المتخصصين في دراسة الترجمة، بل الوحيد في نظرية الترجمة، وكليتي لم تعترف بي بَعْد، لأنها ربما عن جهل، لا تعترف بالترجمة تخصصاً، وهذا ما سبق أن حّذرني منه المشرف عليّ في دراستي، حين قال ستعود ولن يفهمك الجميع. والناس في أحيان كثيرة أعداء لما جهلوا. هل أنت مع استقلالية الجامعات وتفردها بالقرار والرؤية؟ - نعم، وبكل تأكيد، ولكن مع رقابة ومحاسبة أكثر صرامة. العلاقة بين أساتذة الجامعة... هل يغلب عليها التنافس التصادمي أم التنافس التكاملي؟ - يغلب عليها التكامل التصادمي. التعيينات في المناصب بالجامعات... هل تتم في أجواء صحية؟ - تتم في أجواء حميمية، منها ما يُعلم ومنها يُجهل. حتى متى وجامعاتنا تتفرج على مشكلات المجتمع وتأتي متأخرة دائماً؟ - كلاهما متخلف عن الآخر، والجامعة جزء من المجتمع. وربط الجامعة بالمجتمع يأتي ضمن نشاطات تتطلب انفتاحاً فكرياً لا يتوافر حالياً. مناهجنا الدراسية .. والإصلاح هل صحيح أن مناهجنا الدراسية وتربيتنا تشجعان على السلبية والصمت على ما يحدث لنا؟ - هذا غير صحيح، بل هي تشجعنا على الكلام والاعتراض ولكن بالمنطق الخاطئ. هل خطط الإصلاح والتطوير للتعليم تصطدم بثقافات ومؤسسات تقاوم التغيير في كل شؤون الحياة؟ - من الطبيعي أن تصطدم هذه الخطط بالأشياء التي تريد تغييرها، وتصطدم بالأشخاص الذين أودوا بنا إلى الوضع الذي يتطلب الإصلاح، وكان يفترض أن يبدأ الإصلاح بتغييرهم بكامل أجهزتهم، والتخلف والفساد مثل الأفعى ذات السبعة رؤوس إذا قطعت واحد حل محله الثاني، وهي لعبة قديمة هدفها التيئيس من الإصلاح. ولكن كثيراً من خطط الإصلاح السابق إما أنها تحاول إصلاح شيء هامشي لا يتطلب التصحيح، وتتجاهل أماكن الخطأ الحقيقي، أو أنها لا تزال خططاً بحكم التنفيذ. والعبرة دائماً في الممارسة وليس في النظرية. الطالب الجامعي الآن يشتكي من ضعف الأستاذ الجامعي، والأستاذ يرثي لحال الطالب عندنا... أين نجد الحلقة المفرغة؟ أجدها في الالتزام الحقيقي بالأمانة العلمية، والأخلاق والأعراف الأكاديمية الصحيحة، وأن يتخيل الأستاذ في الطالب أنه كابنه ، وأن يحترم الطالب وقته وهذا الجزء المهم من عمره الذي يقضيه بين أروقه الجامعة، وألا يسمح لأستاذه أن يهدره، وأن يهتم بالتعلم الحقيقي وليس الدرجات فقط التي قد يحاول بعض المدرسين رشوته بها. وعموماً أتمنى أن نركز في جامعاتنا على المضمون أكثر من الشكل وعلى الكيف أكثر من الكم. وأنظمة الجامعات ولوائحها لدينا جيدة وبها كثير من الإيجابيات إلا أن تطبيقها من بعض المسؤولين مختلف، وأحياناً قد تكون الممارسة مرعبة، والرقابة التنفيذية عموماً ضعيفة في جامعاتنا، كما في جامعات العالم بحكم وجوب الثقة في عضو هيئة التدريس الذي يحمل الدكتوراه، أو أي لقب أكاديمي آخر من الألقاب التي ينظر لها أحياناً نوعاً من «البريستيج الوهمي». كيف ترى تدريس اللغة الإنكليزية في تعليمنا العام؟ - سيء التخطيط، وضعيف المناهج، وغير واضح الأهداف. هل أنت مع تدريسها في المرحلة الابتدائية؟ - لا أعتقد، لأن مرحلة الابتدائية هي تشكيل هوية ووعي الطالب، كما أنه يستحيل تدريسها في هذه المرحلة بشكل جيد، لأن ذلك يتطلب إمكانات مهولة لا يمكننا توفيرها. وأنا لا أرى سبباً مقنعاً لتدريسها في هذه المرحلة أو حتى المرحلة المتوسطة. المبدع السعودي و«الدونية» لماذا يُنظَر إلى المبدع السعودي ولرأيه بدونية من بعض المثقفين العرب؟ - كلمة مبدع ليست في قاموسي، ولكن من ينظر بدونية للسعوديين وللأسف هم بعض السعوديين أنفسهم، ولا سيما من جهلة النافذين إنْ مالاً أو جاهاً. نحن ما زلنا في مرحلة البحث عن زامر الجيران، أضف إلى ذلك أن الكثير من نشاطاتنا الثقافية لها طابع دعائي، وهي موجهة للخارج أكثر من الداخل. وكثير من المنظمين لمثل هذه الأنشطة يعاملونها وكأنها مناسبات علاقات عامة خاصة بهم تساعدهم على التواصل مع الخارج. وبعض الجهات لديها قوائم ثابتة ومحددة سلفاً للضيوف الذين يحضرون نشاطاتها باستمرار. وفي كلتا الحالين هم لا يحتاجون إلى السعودي، وأتمنى لو تخضع المؤتمرات والندوات لتنظيم أكثر دقة، لأن في بعضها إهدار واضح للمال العام. السياسة الشرعية... هل تقف حاجزاً أمام التنمية المحلية؟ - ليس هناك شيء اسمه السياسة الشرعية، فالشريعة شريعة والسياسة سياسة، ولكن المصالح قد تجمع بينهما أحياناً، وقد تفرقهما أحياناً أخرى. وعندما تلتقي المصالح تشرعن السياسة أو تسيَّس الشريعة. والشرعيون هم جزء كبير من المجتمع ويحتاجون إلى التنمية أيضاً. وهناك أخيراً إرهاصات على نوع من الحلحلة في ما يسمى بالموقف الشرعي حيال بعض الأمور ولا سيما في ما يتعلق بموضوع المرأة. فهل يعقل أننا ندخل القرن ال21 والمرأة ممنوعة لدينا من القيادة من دون إجماع فقهي أو سبب علمي، أو اجتماعي مقنع؟ ثم نستورد مئات الآلاف من البشر الأغراب، الذين يشكلون خطراً حقيقياً على المجتمع، للعمل كسائقين لنسائنا؟ أين المبدأ القائل بالأخذ بأخف الأضرار. التيارات الإسلامية في المملكة... هل لها طموحات سياسية؟ - ليس هناك تيار من دون مصالح وطموحات سياسية ما دام تياراً. والطموحات السياسية لا تعني بالضرورة الوصول للسلطة السياسية، ولكنها قد تعني المطالبة بالمشاركة بقوة فيها، أو الحصول على نصيب أكبر منها. المراقبة والمتابعة ألا تكسران رقبة الهدوء، وتسلبان الدهشة في حياتك؟ - بلى، مثلي مثل جميع البشر أحس دائماً، وربما لا شعورياً، أني مراقب، ومن دونها قد تفرط السبحة لا سمح الله. وهناك رؤية لجيرمي بانثام، أحد الفلاسفة الاجتماعيين، يرى فيها أننا ننمو وتنمو معنا أبراج متخلية للمراقبة تحيط بنا، نحس، أو نُحسس أن بها من يراقبنا ويحسب خطواتنا، وهذه شيء تزرعه بعض أنواع التربية فينا. بل أن بيرتراند رسل يعتقد بأن هذه هي مهمة التعليم الرسمي، ولذلك لم يُدخِل أبناءه للمدارس. وهي بحسب فرويد جزء من «الأنا العليا» لنا ولمجتمعنا. وبالنسبة إلى السياسيين هي جزء من «الأنا الكبرى»، أو الأخ الأكبر. كيف ترى المناخ الصحافي عندنا؟ - مثل الذي يتنفس في كيس بلاستيكي كبير. لماذا رؤيتك حول المرأة ضبابية إلى حد ما؟ - لم تكن ضبابية أبداً، ولا أرى المرأة تختلف عن الرجل في شيء، فأنا أعتقد بأن المرأة صنو الرجل في جميع أمور الحياة، ومشكلة المرأة أساساً جزء من مشكلة الرجل، وأنا لست ممن يتزلف للمرأة بالكتابة عنها. ومن يدري، فقد يطور المجتمع وسائل حمل وولادة في أنابيب أو أرحام خارجية، فتنتفي الفوارق تماماً، بما فيها تلك الفسيولوجية. فالعلم الحديث يثبت أن الرجل أو المرأة يحمل كل منهما في داخل تكوينه جزء من الجنس الآخر، أي أن الرجل قبل استكمال تكوينه يكون لديه استعداد فطري لأن يتحول امرأةً، فهل من العقل أن تجافي نصفك الآخر داخل جسمك وداخل حياتك؟ الإسلاميون الجدد الإسلاميون الجدد والليبراليون الجدد.. كيف تقرأ هذين التصنيفين؟ - هذه تصانيف لا طائل منها، فالتاريخ الإسلامي فيه من الأئمة منهم من كان في منتهى الليبرالية، وهناك من الليبراليين، ولا سيما الدوغمائين أكثر انغلاقاً من بعض المتدينين المتنطعين، وفي النهاية كلنا إسلاميون ولا أحد يسلب غيره هذا الحق، فثقافتنا بمحافظيها، وليبراليها، بل بالملحدين واللاأدريين فيها هم إسلاميون، لأننا نستمر في الدعاء لهم بالتوبة. فالإسلام رؤية وطريقة حياة وليس طقوس دينية فقط. بل إن الإسلام، بمعناه الواسع يدخل في تشكيل وعي المسيحيين واليهود الذين عاشوا في المجتمعات العربية، وكثير من اليهود العرب يجدون صعوبة في التكيف مع المجتمع الإسرائيلي، على عكس اليهود من أوروبا، وبقية أنحاء العالم، وكثير من المسيحيين العرب يربُّون أبناءهم تربية صارمة تشبه التربية الإسلامية. وهذا شيء تدركه إسرائيل أكثر منا، ولذلك فهي تعبث بوطننا دينياً ومذهبياً بتأجيج الصراعات فيه. بينما في رأيي المسيحيون العرب مثلاً هم مسلمون لهم ديانة أخرى. كيف ترى التفاعل السعودي مع المتغيرات العالمية؟ - اقتصادياً جيد، وثقافياً وحضارياً ضعيف، لأننا شعب عموماً شعب منغلق. الفتاوى المسيّسة.. هل هي محرقة للحوار! أم مطفأة للصراع؟ br / - أراها مطفِئة للحوار ومحرِقة للصراع. الفكر... هل يصنع السياسة، أم أن السياسة تنتج الفكر؟ - السياسة هي المسؤولة عن كل شيء، ومن أهم المسؤوليات السياسية تنمية القدرات الفكرية للجماعة، وحماية حريتها في التفكير والتعبير. ولكن السياسة - بحكم كونها نفعية بحتة - لا تتورع عن نشر الفكر الذي يخدم مصالحها وقد تمنع غيره. ولذلك فالدول التي تنعم بالاستقرار والنمو هي التي تفصل بين السلطات الثلاث بشكل حقيقي، وتنظم علاقة الفكر الحر مع السياسة، وتمنع الاستبداد السياسي بالفكر. ولنا عبرة كبيرة في السياسات الشيوعية أحادية الفكر، فمثل هذه السياسات لا تتطور بل تنهار فجأة. سياسياً متى يكون الخطاب الديني مجرد تعبئة؟ - عندما يدّعي الحقيقة المطلقة، ولا يفرق بين داخل المسجد وخارجه.