يمر العراق في الفترة الحالية بمرحلة قد يكون لها تأثيراتها العميقة في تشكيل ما سيكون عليه عراق المستقبل، فالعراق مهما عانى من مشكلات أمنية، دفع الشعب العراقي ثمنها فادحاً، فإن ذلك يجب ألا يكون سبباً في ابتعاد العراق عن محيطه العربي، فالعراق لأجل أن يعيش لا بد أن يتناغم مع محيطه العربي، فالعداء والتأزم في علاقات بغداد مع الدول العربية هي إحدى القضايا التي يجب ان تُحل من الحكومة العراقية، فقضية التفجيرات الأخيرة التي استهدفت بعض الوزارات الحكومية، التي أودت بحياة المئات من المواطنين العراقيين، زادت التوتر مع بعض دول الجوار، خصوصاً سورية التي تتهمها بغداد بأن بعض قيادات البعث العراقي كانت مسؤولة عن تلك الأعمال الإجرامية، ولكن مشكلة الحكومة العراقية أنها تتهم دمشق بضلوعها في تلك التفجيرات من دون تقديم الأدلة المقنعة، فقد تُظهر بعض المتورطين على شاشات التلفزة، كما تزعم بأن لهم علاقة بدمشق، ولكن مثل هذا السلوك يدين بغداد أكثر من دمشق، فإذا كان لدى الحكومة العراقية الأدلة القوية لتورط بعض دول الجوار في مثل تلك التفجيرات فعليها أن تحاكم المتورطين فيها محاكمة علنية منقولة على شاشات المحطات الفضائية، أما مسرحيات الاعترافات المسجلة فإنها لا تقدم أدلة حقيقية على ما تدعيه. إن المتابع للوضع في العراق يصل إلى قناعة بأن الوضع في الداخل العراقي، خصوصاً من الناحية الأمنية يميل إلى الهدوء والاستقرار في الأشهر الأخيرة الماضية، وهو في اعتقادي بسبب الترتيبات العسكرية الأميركية في العراق، التي تمثلت في سحب القوات الأميركية خارج المدن الرئيسة في العراق الذي خفف الاحتقان من وجود قوات محتلة في العراق، خصوصاً من بعض مكونات الشعب العراقي، ولكن هذا الهدوء والتفاؤل في كل مرة ينتهي بتفجيرات وهجمات نوعية ضد المنشآت الرسمية، مثل هذه التطورات تدل على أن العراق سيكون عرضة لمثل هذه الأعمال في المستقبل، وقد تكون أكثر حدة في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع قرب إجراء الانتخابات العامة في البلاد، فمشكلة العراق انه ومنذ الاحتلال في 2003، وتشكيل حكومة عراقية، يعاني من أزمة هوية، فهو ليس بالعربي وليس بالديموقراطي الحقيقي الذي يسمح للجميع بالمشاركة السياسية العادلة، فالعملية السياسة تهمش مثلاً العرب السنة، وهم رقم صعب تجاهله، وإذا لم يكن هناك حل سياسي في هذا المنحي فإن الاستقرار والأمن سيكون صعب التحقيق، فالكل منا يتذكر كيف عمل الأميركان على الاستفادة من العشائر والقبائل العربية في محاربة «القاعدة» عن طريق الصحوات ومن ثم استيعابها في القوات العسكرية العراقية على رغم ممانعة الحكومة العراقية، ما يدل على أن الموقف الرسمي من العرب السنة هو الإقصاء من العملية السياسية، وهو ما يدفع بعض العناصر للتطرف من القوى السياسية المهمشة، وقد بدأت العملية الاقصائية في الظهور بشكل أكثر وضوحاً في الآونة الأخيرة، إقصاء بعض القوى الوطنية مثل جبهة الحوار الوطني من أحقية المشاركة والترشيح للانتخابات المقبلة بحجة أن بعض مرشحيها لهم ارتباطات بحزب البعث والحكومة، في هذا التوجه تستخدم العلاقة مع البعث كعصا تتهمه بها خصومها لإقصائهم من العملية السياسية، وهذا يدفع البعض للتخوف من دخول العراق حرباً أهلية أخرى، كما حدث في عامي 2006 و2007 عندما كانت الحرب الطائفية في أشدها، وكادت تمزق العراق إلى دوليات على أساس اثني وطائفي. إن دخول الحكومة العراقية في صراعات جانبية مرة مع تهديد دمشق بأنها سوف تدول مسؤولية دمشق عن التفجيرات النوعية في بغداد، ومرة مع داعية إسلامي متشدد ومطالبة دولته بالاعتذار عما بدر منه، يدل على تصدير العراق لمشكلاته السياسية، فذلك المتشدد لا يمثل إلا نفسه ولا يمثل أي موقف رسمي، ولو كان هذا النهج مقبولاً بين الدول لكانت الحكومة العراقية أكثر الدول اعتذاراً للدول الاخرى بسبب الآراء المتطرفة التي تصدر عن رجال دين وسياسة عراقيين متشددين لا يعبرون عن الموقف الرسمي العراقي. [email protected]