تأخر الجزائريون، أمس، في الالتحاق بأعمالهم، فيما قرر آخرون الحصول على إجازة من «جانب واحد» بسبب عدم قدرتهم على الاستيقاظ باكراً، إثر ليلة «بيضاء» قضوها في الشوارع مبتهجين بالفوز التاريخي المستحق للمنتخب الأول على فيلة كوت ديفورا ب3-2 في دور الثمانية للبطولة الأفريقية للأمم المقامة في أنغولا في واحدة من اللحظات التاريخية التي ستبقى خالدة لمدة طويلة بأذهان الجزائريين أو على الأقل الجيل الحالي الذي لم يعهد بالانتصارات الجزائرية في عقد الثمانينات. ولقن أشبال سعدان «فيلة كوت ديفوار» درساً في الواقعية والانضباط التكتيكي والروح القتالية وأيضاً في حب البلد على حد تعبير مجيد بوقرة صخرة دفاع المنتخب الجزائري ومسجل هدف التعادل الثاني في الوقت بدل الضائع. وقدموا للعالم صورة للخضر تختلف عن تلك التي أظهروها في المباريات الأولى بالأحرى في المباراة الأولى أمام زيمبابوي (صفر-3). ودفع سعدان للمرة الأولى بالمدافع عنتر يحيى أساسياً على رغم غيابه عن المنافسة منذ المباراة الفاصلة أمام مصر في 18 تشرين الثاني (نوفمبر)، مستغلاً في ذلك «شغور» منصب الظهير الأيمن لإصابة المدافع عبدالقادر العيفاوي بالتهاب اللوزتين. كما اشترك أيضاً لاعب الوسط مراد مغني أساسياً وطوال المباراة بعد طول غياب عن المنافسة بداعي الإصابة أيضاً. كما شهدت المباراة إشراك المخضرم سليمان رحو، مدافع وفاق سطيف، بديلاً في الشوط الإضافي بعد خروج عنتر يحيى. الفوز هو السادس للمنتخب الجزائري على كوت ديفوار في 19 مباراة جمعت بينهما حتى الآن، فعادلت عدد انتصارات الكوت ديفوار عليها وكان آخرها للفيلة 2-1 في بواكي في 22 حزيران (يونيو) 1997 في إياب تصفيات كأس الامم الافريقية التي استضافتها بوركينا فاسو. وهي المرة الأولى التي يصل فيها «الخضر» إلى المربع الذهبي للبطولة الأفريقية منذ 20 سنة أي منذ عام 1990 التي توجوا فيها بأول وآخر لقب أفريقي للأمم. ولاحظ مراقبون أن الوجه «الجزائري» المميز أمام الفيلة الإيفوارية سيدفع بمدربي إنكلترا وأميركا وسلوفينيا إلى إعادة حساباتهما بشأن المنتخب الجزائري في المواجهات المرتقبة بينهم في المونديال المقبل في جنوب أفريقيا. وربح الناخب الوطني رابح سعدان، مرة أخرى، الرهان ورد الصاع صاعين لمن شمت فيه كثيراً عقب الخسارة الأولى وانتقده مطولاً بداعي سوء اختياره لمكان المعسكر. وكان سعدان، 63 سنة، اشد الجزائريين تأثراً بالفوز عندما أكد: «انا سعيد جداً لأننا قدمنا أداء رائعاً ومميزاً. وأعتقد بأن هذه عادة الجزائريين في المباريات الكبيرة». مضيفاً: «دخلنا المباراة من أجل تحقيق الفوز ولم أفاجأ بما حققه فريقي بل فوجئت بهبوط مستوى المنتخب المنافس الذي يبقى قوياً جداً ومحترماً جداً وكان أقوى المرشحين للفوز بلقب الدورة». واستطرد: «عانينا الأمرين في الدور الأول، لكننا الآن أفضل حالاً وسنواصل على هذا المنوال. وأعتقد أن وجود عنتر يحيى (الذي يلعب للمرة الاولى منذ 18 نوفمبر) ومغني في التشكيلة رفع معنويات اللاعبين، وزاد في إرادتهم وحماستهم على تقديم مستوى أفضل يليق بسمعة الجزائر، ويسكت جميع المشككين في قدراتها». وعن توقعاته بمباراة نصف النهائي شدد المدرب الجزائري على أنه لا يهمه المنافس المقبل بقدر ما يهمه أن تبقى المباراة في إطارها الرياضي في إشارة إلى احتمال حصول مواجهة بين «الخضر» والفراعنة. وتابع: «في المباريات الثلاث التي واجهنا فيها مصر في التصفيات، جرت الأمور على ما يرام ودون أي مشكلات في الملعب، يجب التوقف عن الحديث عن مشكلات بين مصر والجزائر». وأضاف: «المنتخب المصري قدم عروضاً رائعة حتى الآن وهو بين المرشحين للتتويج، سنأخذ كل هذه الأمور بعين الاعتبار سواء واجهنا مصر أم الكاميرون، لأننا في كل الأحوال سنركز على مواجهة أحدهما». واعتبر كريم زياني، القلب النابض للخضر، التأهل «مستحقاً»، مؤكداً أن «قيام الوفد الإيفواري بحجز مسبق للطائرة للتوجه إلى مدينة بانغيلا حيث ستقام مباراة نصف النهائي حفزنا كثيراً على الإطاحة بهم وبأحلامهم وبثقتهم الزائدة». في حين أكد كريم متمور، صاحب الهدف الأول للخضر، أن التأهل إلى المربع الذهبي أثبت أن الجزائريين لم يسرقوا التأهل إلى المونديال. وأشادت الصحف الجزائرية بالتأهل التاريخي للخضر، واعتبرته أبرز هدية يقدمها المنتخب للجزائريين. وفي هذا الشأن وصفت صحيفة «الخبر»، الواسعة الانتشار، التأهل ب»الانجاز الفرعوني»، وكتبت: «تتواصل مغامرة المنتخب الوطني في أنغولا عندما كسب الرهان على أحد أقوى المنتخبات المرشحة للتتويج باللقب القاري بفضل الفوز في المباراة التي كانت الأفضل في مشوار الخضر في الأمم الأفريقية». في حين وصفت صحيفة «الوطن»، الناطقة بالفرنسية، الفوز ب «انتصار بطولي». وكتبت: «أمام منتخب كوت ديفور المرشح الأبرز بالدورة الخضر كانوا، ببساطة، أروع». وقالت «ليبرتيه» الناطقة بالفرنسية: «الخضر يضيئون الشعلة من جديد». وكتبت «وقت الجزائر» قائلة: «المستحيل ليس جزائرياً». من جهتها، أشادت كبرى الصحف والمواقع الرياضية العالمية بالإنجاز التاريخي، وأكدت أن «الخضر» لم يسرقوا التأهل على حساب الفيلة. وفي هذا الصدد كتب موقع «سبور» الفرنسي تحت عنوان: «الإنجاز الجزائري»: «يا لها من سهرة في كابيندا. تأخروا مرتين في النتيجة أمام كوت ديفوار، لكن الأفناك الجزائريين نجحوا في مناسبتين في العودة في النتيجة قبل أن يحدثوا الفارق في المرة الثالثة في الوقت الإضافي عبر عامر بوعزة». وأضاف: «نجاح في هذا الثنائي بين منتخبين موندياليين تحقق مستغلين نقاط ضعف الأيفواريين الذين لم يكونوا في مستوى طموحاتهم في هذه الدورة». ونوه الكثير من النقاد والمحللين الرياضيين بأداء «الخضر» واعتبروه «بطولياً ورائعاً»، فيما طالب آخرون بالاستثمار في هذا الانتصار. وكان أبرز هؤلاء وزير الدفاع السابق اللواء المتقاعد خالد نزار الذي دعا الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى «ضرورة الاسثتمار في نجاحات المنتخب والتفاف الشباب من حوله، وذلك عبر خلق مناصب شغل للقضاء على البطالة والهجرة السرية» على حد تعبيره.