أوضح شعراء أنهم بحاجة إلى مقدار كبير من الاستفزاز، ليستطيعوا مغادرة مواقعهم الإبداعية، والكتابة في الرواية أو المقالة. وبعض هؤلاء يرى على الشاعر أن يبقى شاعراً فقط وأن يكون وفيّ للشعر ومخلصاً له. وعبّروا ل«الحياة» عن أن المسألة ليس صعبة ولا سهلة، إنما هي خيارات. وقالوا في إجابة عن سؤال ل«الحياة» حول هل على الشاعر أن يبقى شاعراً فقط، من دون أن يخوض تجربة الكتابة السردية؟ إن الشاعر يمكنه إضفاء الكثير بلغته السلسلة على أي نوع تعبيري، إذا ما حاول ذلك. وتقول الشاعرة ميسون أبو بكر إن من أجمل كتاب المقال هم الشعراء، الذين يكتبون المقال بحس شعريّ، وأقصد الشعراء المخلصين لأبجدية الشعر والباذخين المسرفين في استنزاف مشاعرهم وأحاسيسهم في استحضار الصور والمفردات وإظهار فيض من إحساسهم بالأشياء التي يرسموها بحروف الشعر بقالب نثري، لذا يكون المقال أقرب إلى الوصول وأسرع لما يتميز به من سيل من المشاعر، مشاعر الشاعر وتفسيره للأشياء وشعوره بما حوله وترجمته له بلغة الشعر»، مشيرة إلى أن للشعر «سلطاناً عصياً حين يستبد بالشاعر فلا يحضره فيلجأ الشاعر إلى كتابة المقال أو النص النثري، وأيضا لأن النثر يتسع لما لا يسمح الشعر بمساحة أكبر وتفاصيل أكثر له، لكن ما أود أن أنوه عليه أن كثيراً من الشعراء تحولوا إلى كتابة الرواية ومنهم من أفلح ومنهم من خاب. فلا ضير أن تكون هناك وسائل كثيرة للتعبير عن مكنونات النفس ومواقف الحياة، لأن في الشعر سبيل للخلاص وفي النثر متسع للتعبير وللحياة بذخ اللغة التي ترسم تفاصيلها بقوالب الأدب المتعددة». ويعترف الشاعر محمد الشهدي بأن اللغة بجُلّ أبعادها هي نقطة التقاطع بين أنماط الإبداع المكتوب؛ فمالك اللغة - بالمفهوم الأكاديمي - يمكنه العطاء في المجالات الإبداعية المكتوبة بما يمتلكه من مفاتيح لغوية والعكس صحيح, والسبب هو أن عنصر اللغة - منفرداً - لا يؤهل لذلك على اعتبار أن اللغة بالنسبة للنتاج المعرفي عامة والإبداعي بمنظور خاص، ليست أكثر من منظومة علمية قائمة بذاتها وخاضعة لعنصر القانونية ويمكنها إمداد مجالات كثيرة، إذ إن دورها الدائم هو أنها آلية للتبليغ أو التجسيد، ناهيك عن مهمتها في التحصيل كمادة وأداة في الآن معاً وباجتهاد في الحدود المقننة لهذه اللغة، اجتهاد مصدره الطاقة الخلاقة في هذا الجنس الإبداعي أو ذاك، وقد تسقط إضافات على اللغة بحسب البحث أو الضرورة، كما هو شأن القولبة العروضية مع اللغة من خلال المشهد الشعري وهاجس الخلق أو حتى النقل في بعض تجلياته هو ما يؤهل صاحبه للفعل الإبداعي بشكل عام»، لافتاً إلى أن الخصوصية لا تتسرب إلا من خلال الشعر «لكنها ليست بالبسيطة أو الضيفة العابرة، بل أنها تجعل في الموضوع أكثر من مجرد مصدر للخلق، لتقف على حافة المساءلة في ماهية المشترك بين الحدث الإبداعي شعراً وغيره، فإذا تجردنا من أي إضافات نجد أن الحقيقة هي أن اللغة بقوانينها وليس في كل حالاتها هي - فعلاً - القاسم المشترك الوحيد، والأمر لا يحتاج إلى تمحيص لاعتبارات عدة، منها أن هاجس الشعر هو من يتحمل فعل المبادرة بالقدوم عند الشاعر ويكون بالعادة في أتم جاهزيته كمادة، على عكس جل المجالات الإبداعية المكتوبة الأخرى والتي يلزم المبدع خلال الإقبال على الإنتاج من خلالها بالحث في التنقيب، ويوصلنا هذا إلى الإقرار بأن المتهم بهاجس الشعر لا يعدو أكثر من جسر مؤهل لعبور الشحنة الشعرية من خلاله إلى المتلقي، وهذه عملية لا إرادية وبالتالي فالشاعر نفسه لا يمتلك القدرة على تشغيل أدوات الفعل الشعري إلا في حال الافتعال، وهذا خارج مرجعية المصدر الروحي للشعر». سلطة الشاعر على منبعه الإبداعي وأشار المشهدي إلى أنه في حال أقررنا بعدم سلطة الشاعر على منبعه الإبداعي، «فلا يمكننا نسيان امتلاكه المادي للغة كعلم، وقد يكون الهروب من افتعال الشاعرية وفي حال الرغبة الملحة في التعبير هو الدافع في معظم الحالات عند الشاعر ليتجه لجنس إبداعي مكتوب آخر، ولنأخذ الرواية كمثال مباشر ومن منظور مبسط جداً لاعتبار أنها ليست الموضوع المراد وأن ما يهمنا هنا هو الشاعر الناثر، إلا أن ذلك ما يحتم مقارنة بسيطة وهي أن درجة الاستفزاز التي تسبق الإقدام على الكتابة في المجال الروائي عند الشاعر ليست كمثيلاتها عند غيره، وسبب ذلك هو سبق الإصرار الذي يكون هاجس الشعر قد برمج عليه مخيلة الشاعر من خلال ما يثري به مخيلته، وكعملية حسابية نقول بأن اللغة المجردة عنده مع الإسقاطات المنهجية في الاتجاه الروائي تثمر روائياً، أما غير الشاعر فيلزمه لذلك استفزازات وتجريب أكثر من وجه في الكتابة للرسوِّ على ترجمة يمكن اعتمادها تؤهله هو الآخر لاعتماد نفسه روائياً»، موضحاً أن قدرة الشاعر على الكتابة في المجالات (الإبداعية) النثرية «ممكنة ولا يوجد حائل من دون ذلك سوى عدم إقدام الشاعر على المبادرة في حدودها التجريبية, أو أن يجد صعوبة على المستوى النفسي في ترجمة مدى خياله إلى الكتابة الروائية من قبيل اعتبار ذلك خيانة للشعر، وأن ذات الشاعر لا مكان بها لغير الشعر، وهناك أكثر من حالة في هذا الصدد. أما الشاعر بشكل عام مؤهل أكثر من غيره للعطاء - بحسب اهتمامه - في الكتابات النثرية, هذه الأخيرة التي أتحفظ على شموليتها في هكذا تحليل على اعتبار أن هناك نسبية في التباين، فيما بينها كأجناس نثرية إلا ما خص العامل المشترك والذي هو اللغة المجردة». في ما تقول الشاعرة هدى الغامدي إنه ليس على الكاتب أن يحصر نفسه في منطقة إبداعه: ف«الكتابة صورة من الحياة، ومن الممتع والمفيد في آن معاً تجريب وممارسة أصنافها المتنوعة»، معتقدة أن الكتابة السردية «فعل جميل يصل بنا إلى عوالم السرد المدهشة. وتلك الممارسات تنهض بمخيلة وتجربة الشاعر. ومن يدري فقد يجد الشاعر نفسه في السرد أكثر من الشعر بعد محاولات فعلية عدة في كتابة الشاعر للسرد، وربما يجد بعض الشعراء صعوبة في الكتابة السردية، ولكن أظن أن المحاولات الجادة في ذلك وتكثيف القراءة، قد تعين الشاعر على كتابة المقال إن كان راغباً، ولكن تبقى روح الكاتب وصياغته ولغته أساساً لجعل المقال لامعاً وناجحاً؛ فكم من الكتاب لديهم مقالات ولكننا لا ننجذب إليها وحتى المقالات العلمية البحتة أو السياسية مثلاً، يمكن جعلها مشوقة وخفيفة على الذائقة ومستساغة من خلال اللغة المنسابة والأسلوب الشيق والشعراء قادرون على ذلك».