شنت أجهزة الأمن السعودية خلال الأيام القليلة الماضية، حرباً على خلايا تنظيم «داعش» الإرهابي، على أراضيها، سواءً العالم الواقعي أم الافتراضي، فإذا كانت وزارة الداخلية كشفت في ثنايا بيانها أول من أمس، عن اكتشاف معسكر للتدريب في منطقة صحراوية جنوب محافظة شرورة، كان «داعش» يخطط لتزويد عناصره بالتدريبات العسكرية المختلفة، وليكون المعسكر الواقع على بعد كيلومترات من الحدود اليمنية، نقطة تواصل مع عناصر التنظيم خلف الحدود، فإن أجهزة الأمن السعودية وضعت يدها على معسكر تدريب آخر، ولكنه هذه المرة في العالم الافتراضي. وتضمن بيان وزارة الداخلية إشارة إلى نفاذ قوات الأمن إلى «البنية التحتية لخلايا داعش»، من خلال ضبط عناصر وصفتها ب «الداعمة»، تعمل على «نشر الفكر المنحرف عبر شبكة الإنترنت وتجنيد العناصر، ونشر الدعاية المضللة». واستعرضت الوزارة أسماء تلك المعرفات التي تم حظرها قبل أيام، ومن بينها «حزام ناسف»، الذي قالت «الداخلية»: «إنه يستخدم من الموقوف علي محمد علي العتيق، الذي ضبط في منزله معمل لتصنيع المتفجرات ومواد مختلفة تستخدم لذلك الغرض». وأغلق معرف «حزام ناسف» لأكثر من 100 مرة، إلا أنه في كل مرة يظهر بمعرف جديد، بالاسم ذاته. وإذا كانت بقية المعرفات التي أشارت لها الوزارة تنشط في نشر أفكار «داعش» الإرهابية، والترويج ل «انتصاراته الوهمية» وتجنيد العناصر، فإن «حزام ناسف» الذي تبين أنه يُدار من جانب علي العتيق، تخصص في تقديم دروس في الجوانب العسكرية المختلفة، وبخاصة صناعة المتفجرات والأحزمة والعبوات الناسفة، عبر تغريدات متتالية، تشرح كل ذلك نظرياً. وإذا كان «حزام ناسف» يمثل «معسكر تدريب» في العالم الافتراضي، فإنه لا يعد حالة منفردة، إذ درج «داعش» وتنظيمات متطرفة أخرى على تقديم دروس عسكرية بمستويات مختلفة عبر حسابات وصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، وسابقاً من خلال منتديات ومواقع إلكترونية. إلا أن هذه التنظيمات استغلت ثورة التواصل الاجتماعي وإقبال الشباب عليها، لتقديم الدروس والتدريبات العسكرية من خلال هذه الحسابات. وأطلق «داعش» ما أسماه «سرايا إلكترونية إعلامية»، لتحقيق أهدافه المتعددة، التي تشمل التجنيد والترويج، وأخيراً التفخيخ وتقديم دروس خاصة بتصنيع المواد المتفجرة والأحزمة الناسفة. وعادة ما تدار هذه الحسابات من أكثر من شخص، في مناطق متفرقة. وتحمل تلك المعرفات أسماء حركية وكنى «جهادية». بدوره، قال الباحث في شؤون التنظيمات المتطرفة حمود الزيادي ل»الحياة»: «إن تنظيم «داعش» الإرهابي وظف وسائط التواصل الاجتماعي كأهم المحاضن للحشد والتعبئة والتجنيد والتدريب، حتى أنه حولها كمركز قيادة وسيطرة، يدير من خلالها خلاياه التي شكلها في بعض الدول، أو تلك التي في طور التشكل». وأضاف الزيادي: «يوظف التنظيم هذه التقنيات ببراعة هائلة، ويعطيها اهتماماً يوازي، وربما يتجاوز أحياناً الاهتمام العسكري والتنظيمي، كون التنظيم يؤمن بفعاليتها في خدمة أهدافه»، لافتاً إلى أن التنظيم «أصبح يستخدم حسابات عدة، ليس فقط لبث أيديولوجيا وأفكاره ودعايته الإعلامية، بل حولها إلى معسكرات تدريب افتراضية، تُقدم من خلالها التوجيهات والإرشادات والنظريات الأمنية، وتعطي دروساً في تصنيع المتفجرات وأنواع الذخائر، وأساليب التخفي والتستر الحقيقي والإلكتروني»، مردفاً: «إن «داعش» حول وسائط التواصل الاجتماعي إلى أسلحة دمار شامل، تضرب سمومها عبر حسابات تابعة للتنظيم في أماكن متفرقة من العالم، من دون أن يتشكل منهج مضاد فعال يستخدم هذه الوسائط للتصدي للتنظيم». بدوره، قال الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة محمد العمر ل»الحياة»: «انتشرت حسابات تابعه ل «داعش» منذ أشهر، مهمتها تحريض الأتباع والخلايا الفردية على الاغتيالات، واستهداف رجال الأمن. وكان من ضمن تغريداتهم نصائح وإرشادات حول صناعة بعض الأسلحة وكواتم الصوت والمتفجرات». وأكد العمر أن المهمة الحقيقية لتلك الحسابات، التي تتجدد عبر «تويتر»، تكمن في «التواصل عبر الرسائل الخاصة والحوارات والإقناعات، ومن ثم التوجه لبرامج التواصل الأخرى، لإكمال التوجيهات». وقال: «أهملنا كثيراً مثل تلك الحسابات، وأخذها البعض على محمل غير جدي، والحقيقة عكس ذلك، فهي معرفات تنشط كخلايا سرطانية، تنشر خبثها في أوساط المجتمع، وبخاصة الشباب صغار السن»، لافتاً إلى أن «وزارة الداخلية وضعت بين يدي الناس وسائل عدة للتواصل معها، والتبليغ عن أي اشتباه ونحوه، وينبغي على الجميع أخذ الأمر بجدية، والإرسال حول أي حساب مشكوك فيه، لمجرد أنه يحمل الفكر المتطرف، أو متعاطف معه».