عادت الى بيروت عند الثامنة والنصف صباح أمس، طائرة «الميدل ايست» التي نقلت المساعدات اللبنانية الى هايتي، وعلى متنها 21 لبنانياً وسورياً بعضهم من أصل فلسطيني بعد إجلائهم من الجزيرة المنكوبة. وبين العائدين اطفال وأولاد وجريح مصاب بكسر في ساقه نقلته من أرض المطار سيارة تابعة للصليب الاحمر ليتلقى العلاج وهو فلسطيني يحمل اوراقاً شخصية سورية واسمه نجيب طرزي. كما عاد على متن الطائرة الوفد الرسمي الذي ضم الامين العام للهيئة العليا للاغاثة يحيى رعد، القنصل وليد حيدر، مستشار رئيس الحكومة لشؤون التنمية فادي فواز، والفريق الطبي في المطار، وكان في استقبالهم الامين العام لوزارة الخارجية السفير وليم حبيب، والسفير السوري لدى لبنان علي عبدالكريم، وقائد جهاز امن المطار العميد الركن وفيق شقير. ومنذ ساعات الصباح الاولى، تحلق في المطار اقارب عدد من العائدين. ومع وصول الطائرة اختلطت دموع الفرح بعودة الاقارب سالمين، بمشاعر الأسى على فقدانهم ممتلكاتهم وأعمالهم. وروى طرزي وهو في سيارة الصليب الاحمر ما حصل معه، وقال: «كنت في عملي في السوبرماركت، وفجأة حصل الزلزال فوقعت السوبرماركت على رؤوس من فيها. بقيت تحت الردم 7 ساعات، بينما كان صديقي يعمل على البحث عني حتى وجدني». وغطّت مواطنة سورية أخرى وجهها بيدها وهي تبكي، فهي كانت في اجازة لزيارة شقيقتها وزوجها في هايتي، ولما وقع الزلزال قضى الاثنان «ودفنا في الغربة». وروت سيدة لبنانية معاناة الناجين، وقالت: «7 ايام ونحن ننام في العراء من دون اغطية ولا ماء». وتحدث المستشار فواز ل «الحياة» عما واجه الوفد الرسمي في الجزيرة المنكوبة، وقال: «لم نجد في الجزيرة لجنة لادارة الازمات ولا جيشاً ولا اي جهاز آخر، فقط جنود اميركيون في المطار كانوا يتولون كل شيء. لم نجد حافلات لنقل المساعدات. فعملنا على الاتصال بمسؤول لبناني في الاممالمتحدة هو حازم الزين ساعدنا وتمكنا من تأمين جنود دوليين تولوا توزيع المساعدات». وتابع فواز: «الجالية اللبنانية هناك بخير، لكن معظمهم خسروا ممتلكاتهم وأعمالهم. حاولنا الاتصال بهم، لكن معظمهم رفضوا العودة معنا، مع اننا افرغنا محتوى الطائرة بالكامل حتى نضمن مكاناً». وعن السبب، أجاب فواز: «هم اصلاً لديهم أعمالهم هناك، فهم يديرون قطاعات اساسية في البلد مثل الاتصالات وغيرها». وعن العائدين، قال: «واجهتهم في البداية مشكلة أن معظمهم لا يحملون أوراقاً ثبوتية ولا جوازات سفر. فاتصلت بالرئيس الحريري وأخبرته بالأمر. فأصر على ان اي شخص لبناني او عربي يريد العودة معنا، فهو في ضيافتنا». وعقد في المطار مؤتمر صحافي تحدث فيه حبيب معلناً أن «الوفد اللبناني عاد من مهمة جد دقيقة وصعبة، وان تضامننا مع اللبنانيين في الخارج لا يمنعنا من ان نتضامن مع بقية الجاليات العربية». وشكر السفير السوري للحريري ارساله «طائرة أجلت لبنانيين وسوريين وفلسطينيين»، وقال: «بتوجيه من الرئيس بشار الاسد حضرت الى هنا لاستقبال الاشقاء السوريين العائدين على الطائرة اللبنانية وبتنسيق وتكامل بين وزارتي الخارجية في لبنان وسورية وبين السفارتين كان هذا التعاون والوصول الآمن»، معلناً أنه سيتم نقل السوريين العائدين الى سورية «بالتعاون بين السلطات اللبنانية والسورية». وأشار الى أنه «كان تم التنسيق بين حكومتينا وستصل ايضاً طائرة مساعدات سورية الى هايتي للغرض ذاته». وأعلن أنه قتل في الزلزال شخصان سوريان. وأوضح رعد ان «الوضع صعب في هايتي نظراً الى عدم توافر الماء والكهرباء والدمار ولكن اللبنانيين الذين حضروا، حضروا بإرادتهم، وهناك من فضل البقاء» وشكر جهود وزارة الخارجية وسائر المساهمين بالانقاذ». وكانت الزميلة في «تلفزيون لبنان» التي رافقت الوفد الى هايتي دينا رمضان ضمنت تقريرها صوراً للمدنيين في الجزيرة المنكوبة، وهم يفترشون الشوارع والساحات العامة. كما تضمن التقرير صوراً لركام قالت الزميلة إنه كان أكبر متجر في المنطقة ويملكه لبناني، اضافة الى ركام فندق مونتانا المملوك من لبناني.كما تحدثت الى لبنانيين قرروا البقاء في هايتي، ومنهم صالح بكري الذي قال انه خسر في الزلزال مبنى من سبع طبقات، ومات 10 من الموظفين لديه. وقالت سيرين سلام إنها لا تفكر حالياً في العودة الى لبنان، لأنه «لا يمكننا أن نتركهم بهذه الحال». وأكد القنصل وليد حيدر أن «الجالية الموجودة في البلد حاضرة للمساهمة في اعادة إعماره». يذكر أن الجالية اللبنانية (معظمهم يتحدرون من اصل لبناني) في هايتي تقدر ب8000 شخص، ولم يسقط اي منهم في الزلزال، لكن خسائرهم المادية فادحة. في غضون ذلك، أبنت أسرة الأممالمتحدة في بيروت ضحاياها في الكارثة الطبيعية في هايتي، من خلال تجمع حضره وزير الدولة عدنان السيد حسين ممثلاً رئيس الجمهورية ميشال سليمان، والنائب قاسم عبد العزيز ممثلاً رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ووزير الإعلام طارق متري ممثلاً رئيس الحكومة سعد الحريري وسفراء وديبلوماسيون عرب وأجانب وممثلون عن منظمات الأممالمتحدة. واستهل التجمع بالوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواح ضحايا الزلزال وعزفت موسيقى الموتى، وألقى المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان مايكل وليامز كلمة نعى فيها الضحايا «الذين قضوا في خدمة الآخرين». وقال: «إن إحياء ذكرى زملائنا الأحباء بأفضل طريقة هو الاستمرار بعزيمة أقوى والتزام أكبر لمساعدة الأشخاص المنكوبين في أنحاء العالم». وتحدث نائب القائد العام ل «يونيفيل» العميد ابوربا كومار بردلاي عن الخسائر الإنسانية والمهنية التي منيت بها الأممالمتحدة والمجتمع الدولي». وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة الأمين التنفيذي ل «الاسكوا» بدر عمر الدفع عن الضحايا: «عاشوا بشجاعة متفانية وماتوا بشجاعة، والمهمات التي قاموا بها أصبحت بمثابة أمل تتسلح به الأممالمتحدة لتتطلع من جديد الى غد أفضل للإنسان كلما اشتدت المحن».