تحتفظ ذاكرة جازان بتاريخ طويل يمتلئ بالذكريات الأليمة مع العقوم الترابية العشوائية التي يقيمها المواطنون والمزارعون، حيث فقدت المنطقة كثيرا من أبنائها بعد أن تحوّلت السيول عن مجراها الطبيعي بفعل تلك العقوم، وهدّمت المنازل، ودمّرت المزارع، وأوقفت حركة السير في الطرقات، غير أن تلك العقوم حين توضع من قبل خبراء الحماية المدنية في الدفاع المدني فإنها تعد حماية لا دمارا للأهالي والمزارع. بيش والعقوم وتعرف العقوم بأنها تجمعات من الأتربة يحدثها المزارعون في الأودية أو قريبا من مزارعهم بهدف تجميع المياه أو تصريفها، وقد يصل ارتفاعها إلى ثلاثة أمتار، وفي محافظة بيش التي يشق أراضيها أودية عميقة، تحف جنباتها أشجار الدوم، لا ترتبط سيولها بوقت محدد أو أمطار موسمية مرتقبة، فهي تفاجئ السكان بين حين وآخر، ولعل من أشهر تلك الأودية وادي بيش الذي استطاعت وزارة المياه أن تنشئ سدا لتوقف هدر مياهه المتواصلة، حيث كان سد بيش يشكل خطرا على مزارع المواطنين بين الحين والآخر، فيحاول المواطنون إحداث عقوم لدفع الضرر عن مزارعهم. يقول المواطن علي حسن «شهدت بيش كثيرا من المآسي لكونها على مصاب أودية كبيرة، فقد اجتاحت السيول مدينة بيش وقراها قبل عشرة أعوام وخلّفت خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، وكان ذلك نتيجة لتحول السيول عن مجراها الحقيقي بسبب العقوم التي أنشأها المواطنون. أما المواطن علي هتان فأشار إلى أن العقوم الصغيرة عادة لا تحدث أي أضرار لأن السيول تتجاوزها. حكاية الملحاء قرية الملحاء القديمة التي يتناقل الأهالي حكايتها حين جرفت السيول مساكنها منذ عقود قديمة، ولم يعد شاهدا على تلك القرية غير جامعها القديم والأثري، حيث بيّن المسن إبراهيم أنه كان يسكن القرية في صغره، وبسبب السيول التي كانت تفاجئ السكان قرر أهالي القرية الانتقال إلى موقع آخر لا يبعد عن الموقع الحالي سوى كيلومترين اثنين، وتركوا منازلهم التي جرفتها السيول في وقت لاحق، مشيرا إلى أن الجهات المختصة وضعت عقوما ترابية لحماية القرية والتسهيل على المزارعين في الاستفادة من المياه في ري مزارعهم، مشيرا إلى أن تلك العقوم التي وضعت من قبل مختصين لم تلحق ضررا بالمساكن أو المزارع. محاسبة المخالفين من جهته، أكد مدير الدفاع المدني في منطقة جازان العميد حسن بن علي القفيلي ل»الشرق» أن الدفاع المدني في المنطقة يعاني من إحداث العقوم المخالفة التي تحوّل مجرى السيول إلى المساكن والمزارع والمتاجر والطرقات، ما يسبب أضرارا كبيرة خصوصا في محافظة بيش والقرى التابعة لها. ونفى أن يكون لإدارته أي دور في إنشاء أو إحداث العقوم الترابية، مشيراً إلى أن الدفاع المدني ضد العقوم التي تشكل بدورها معاناة لهم في مواسم الأمطار وجريان السيول، وأضاف أن هناك تنسيقا في المشاريع التي تقيمها البلدية بالتعاون مع الدفاع المدني في درء مخاطر السيول، وقال «تسببت العقوم غير النظامية في تحويل المياه إلى الطريق العام وإغلاقه لأكثر من عشر ساعات في الموسم الماضي، حيث وجّه أمير المنطقة إلى التعرف على محدثيها وحصرهم، وضُبطَ فيهم محضرٌ رُفع إلى الإمارة لمحاسبتهم». لجنة متخصصة من جانب آخر، أكد محافظ بيش خالد القصيبي أن هناك لجنة متخصصة لمتابعة العقوم، مكونة من الإمارة والدفاع المدني والزراعة والبلدية، وأنها تجري جولات ميدانية بشكل مستمر، وإذا وجدت عقوما غير نظامية تقوم بإزالتها فورا، مشيراً إلى أن العقوم النظامية تقوم بحماية القرى والمزارع والمواطنين من مخاطر السيول. جامع قرية الملحاء القديمة التي جرفتها السيول بقى شاهدا على المأساة عقم ترابي أنشئ لحماية مزارع المواطنين وتسهيل ريها آليات الدفاع المدني أثناء محاولات تصريف مياه السيول التي تحوّلت لطريق بيش بسبب العقوم