منذ عدة سنوات وتحديدا بعد الاتفاقية الموقع عليها بين البلدين المجاورين المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية الشقيقة والتي أنهت الخلاف الدائر بين الحكومتين حول مسألة ترسيم الحدود وما ترتب على هذه الاتفاقية من إيجابيات تصب في مصلحة الدولتين إلا أن هناك بعض المشاكل التي أفرزتها تلك الاتفاقية كان ضحيتها ذلك المواطن المغلوب على أمره ، الذي قدر له أن تكون أرضه التي يقطنها الحد الفاصل بين الدولتين والتي تضم تحت ترابها الآباء والأجداد الذين توارثوها كابرا عن كابر وكان لهم فضل في إحياءها واستصلاحها والدفاع عنها ضد كل من تحدثه نفسه أو تسول له في اغتصابها لتكون الحد الفاصل بين الدولتين ، والذي صدر بحقه بعد تلك الاتفاقية منع الإحداث فيها سواء ببناء مساكن أو استصلاح لأرض وكأنها لم تكن ملكه وملك آباءه وأجداده ، ثم ترك المواطن بعدها كالمعلقة التي لا تدري ما مصيرها ، فلم يحظوا بزيارة مسؤول منذ وقع المنع حتى يتفقد أحوالهم ويرى بأم عينه معاناتهم لأن ما نسمعه ليس كالذي نراه رأي العين ، فالذي تشاهده العين يستوفي الحقيقة على عكس ما تنقله لنا الرواة من أخبار قد تكون صحيحة وقد تكون ناقصة وقد تكون مغلوطة. فأين المسؤول الذي يبين لهم جلية الأمر وما هي الحلول التي وضعتها الدولة لسكان تلك المناطق حتى تتضح لهم الأمور ويكونوا على بينة من أمرهم ، فمرت السنين واحدة تلو الأخرى وهم ينتظرون ولكن طال الانتظار وتنامى السكان في تلك المناطق فصغير الأمس كبر وتزوج قاهرا كل الظروف معتمدا على الله ثم على والده الذي ساعده في مسألة الزواج وقاسمه مسكنه البسيط الذي لا يتعدى في الغالب عدة غرف في بيت شعبي مترهل يفتقر لأبسط مقومات المسكن العصري ، ولكن المسألة لم تقف عند هذا الحد فأغلب الأسر لديها من الأبناء الكثير والذين وصلوا لسن الزواج فكل يريد أن يعيش حياته ويكون أسرة مستقلة ولكن كل السبل تقطعت بيدهم ، لكونهم لا يستطيعون أن يبنوا مساكنا لهم في أرضه التي هي ملكهم وملك آباءهم بسبب ذلك المنع الجائر ، وكل يعلم مسألة غلاء المعيشة والتي قد تكون حائلا بين انتقال بعضهم للمدن حيث يجد المسكن بنظام الاجار ، فمن أين له إجار بيت وتأمين مستلزماته ، ناهيك عن أن يشتري سكنا أو أرضا يبني عليها بيت العمر . فالحقيقة أن الظروف هناك سيئة جدا ، وشباب تلك المنطقة يعانون وقد أصابهم الاحباط والتذمر مما ولد لديهم اليأس ودفعهم إلى سلوك طرق أخرى لتأمين مستقبلهم وقهر الصعاب ، فكل ما يسمعونه من الدولة من حلول لمشاكلهم صارت عندهم مجرد أقاويل ، لكون المنع صار له سنوات دون بوادر صادقة لحل الأزمة المتفاقمة يوما بعد يوم . فإذا كانت الدولة ترى أن لها الحق في منع المواطنين من الإحداث لأغراض أمنية أو سياسية فليس لديها الحق أن تتناساهم وتتركهم هكذا بدون حلول عاجلة تحفظ لهم حقهم ، وإذا كان المسؤولون لا يشعرون بالمعاناة لأنهم يعيشون في رغد العيش وفي رفاهية ، فإن غيرهم يعاني الأمرين وكما قيل النار لا تحرق إلا رجل واطيها . وإذا كانت هذه الأرض التي يقطنونها لا تعني شيئا للكثيرين ، فإنها في الحقيقة تعني لقاطنيها الكثير والكثير ، بل هي لديهم بكنوز الدنيا ، وبالأخص كبار السن الذين عاشوا طفولتهم وشبابهم وكهولتهم بين أحضانها رغم ما قاسوا ويقاسونه اليوم من قلة الخدمات التي قدمت لهم فيما سبق وتقدم لهم اليوم من قبل الدولة منذ توحيد هذه البلاد حتى وقتنا الحاضر ، ولأنهم في الحقيقة لا صوت لهم يصل مسامع الدولة أو نفوذ قوي ذو تأثير يعيد لهم حقوقهم المسلوبة ويعيد لهم اعتبارهم ويعوضهم في سنوات الضياع والحرمان التي عاشوها طوال فترات حياتهم منذ أن بايعوا وأعلنوا السمع والطاعة لمؤسس هذه الدولة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه ثم بعده أبناءه الملوك ممن تعاقبوا على إدارة هذه البلاد حتى وقتنا الحالي. إنهم في الحقيقة يؤثرون الصبر راضين بواقعهم المر الذي ليس لهم في الحقيقة غيره ، حيث لا نصير ولا معين يبرز قضيتهم ويتكلم بلسان حالهم ويطالب بحقوقهم ، منتظرين فرجا يأتي من رب السماء بعد فقدهم الأمل في أرباب الأرض ، لقد سأموا الظلم والجور ومرارة العيش ، وإنهم على رغم ضعفهم وقلة حيلتهم يواجهون حربا تدور في الخفاء لتحويلهم لمجرمين ملصقا التهم بهم ، حتى لا ينالوا حقوقهم ، ولكل طرف من أطراف هذه الحرب التي تشن عليهم أهدافه الخاصة ومصالحه سواء الخاصة أو العامة ، ولنا في التاريخ عبر فدائما القوي صاحب حق حتى ولو كان ظالما بحكم قوته وسطوته ونفوذه والضعيف مجرما ولو كان صاحب حق نتيجة لضعفه وقلت حيلته في حال غياب العدالة ، ومن المخزي أن غالبية الناس دائما مع الأقوى حتى أقرب الناس لك وذلك لما تقتضيه المصالح الشخصية أو الخوف من الصدع بالحق أو نتيجة علو صوت الباطل على صوت الحق ، فالناس تحكم على ما تسمع دون تحري الحقيقة ، وقديما قال الشاعر العربي : في زخرف القول تزيين لباطله ،،،، والحق قد يعتريه سوء تعبير