مبادرة الآخرين بما يشير لوجود أمراض لديهم : أ. جابر بن ملقوط المالكي ذهبت يوماً إلى مدرستي حاملاً هم مجموعة من الطلاب الذين قصر فهمهم , وعجز استيعابهم عن مسايرة زملائهم الطلاب , وحقاً لقد أعملت ذهني هزيعاً من الليل , أقلب الأفكار , وافترض الحلول , إلى أن توصلت لما أزعم بسلامته وقدرته على تحفيز هممهم , والسمو بأفكارهم لإدراك ما فات , والتغلب على ما هو آت , ولأن ذلك استنزف مني الكثير وقتاً وجهداً فقد ذهبت صبيحة اليوم التالي وعلى ملامحي أثر من معاناتي التي حاولت مداراتها بالابتسامة كعادتي ولله الحمد , وبينما أنا أدلف إلى غرفة المعلمين , وإلى مكتبي تحديداً صاح بي أحد الزملاء قائلاً : الله , الله ماذا دهاك يا أستاذ ؟.. تبدو أصفر الوجه شاحباً ؟أعندك مرض السكر ؟ هل حللت وظائف الكبد ؟ صدقني أن أحد المعارف رأيته ذات صباح كما رأيتك الآن , ولم يلبث غير ساعة حتى داهمته أزمة قلبية أودت به إلى الشلل ... فحاولت امتصاص غضبته وهجومه الكاسح بإيرادي سيلاً من النكات دون اعتبار لكلامه في ظاهري , مع أنني أعتصر من داخلي خوفاً من كل ما قال , وقضيت حصصي الأولى مابين خوف وتوجس , ولم أستطع إنجاز شيئاً , ثم استأذنت وعدت إلى منزلي وأنا أحس حينا ً برجفة في أطرافي , وحيناً بزيادة في خفقان قلبي , ومابين فينة وأخرى أنظر لوجهي في المرآة يدفعني الوهم من قوله , وكل ما استرخيت على فراشي أسمع طنين كلماته في ذهني فأنهض كاتباً وصية ماسحاً أخرى , وهكذا حتى مضى اليوم ولما دنا الليل , كان رصيدي من التحمل قد نفد , فنمت بعد صلاة العشاء مباشرة دون انتظار للعشاء , ولم أصح إلا مع انسياب أذان الفجر إلى أذني طارداً خيالات الصديق الخنزبي فقمت في كامل عافيتي وتوضأت وصليت ثم قرأت ما تيسر من الكتاب العزيز ثم أفطرت واصطحبت أبنائي وذهبت للمدرسة كعادتي بنشاط وهمة وعزم على رد الوساوس ودفع التوهمات , وقضيت يوماً جميلاً دون تأثر بما دار بالأمس , وبينما نحن كعادتنا نتبادل القفشات والضحكات إذا بالخنزبي يعود ثانية لنفث سموم وساوسه في أذن صديق آخر على ملامحه شيء من العناء , فلما لاحظت منه الوحدة والتأثر مما سمع تنحيت به جانباً وذكرت له ما حدث لي بالأمس فابتسم ابتسامة عريضة ثم بادرنا ذلك المتخنزب بسيول من الأسئلة : لماذا ..؟ ولماذا .. ؟ حتى قلبنا السحر على الساحر , وعندما رأيناه يتململ ويذهب حيناً لدورة المياه – أكرمكم الله – وحيناً للمرآة أشفقنا عليه وصارحناه بالحقيقة , وأن ما فعله معنا لا يصح وكذلك ما فعلناه معه , فمن الواجب أن نعي أن الأمل يمنح الحياة , وحتى لو رأى الإنسان ما يطابق الأعراض أو يقاربها يتفاءل ويسأل بدلاً من : لماذا اصفرار وجهك .؟ وما ... ؟ قائلاً : ما هذا الزين , إنك تبدو بشكل لائق . وهكذا حتى نعطي الحياة بعداً آخر وإطاراً جميلاً لا ينكأ جراح المرض , ولا يطرح صفات العرض .