عندما كان منتخبنا الوطني يغيب عن أيام "الفيفا" التي يحدد فيها مباريات أعضائه الودية الدولية، تثور ثائرة الجماهير الرياضية في البلاد مستنكرة هذا الغياب، ومعهم كل الحق، وحين كان منتخبنا يلعب وديات يمكن وصفها بالهامشية مع فرق ومنتخبات غير معروفة مثل لوكسمبورج، كان النقاد والجماهير يسنون أقلامهم لتشريح لجنة المنتخبات واتحاد القدم، ويستدعون تاريخ لوكسمبورج وجغرافيتها قبل الحديث عن كرتها، ومعهم الحق أيضا. أما عندما أعلنت لجنة المنتخبات الجديدة الشابة والمتحمسة عن مباريات ودية ثقيلة مع منتخب إسبانيا نهاية الأسبوع، والجابون بعدها بخمسة أيام، والأرجنتين قبيل نهاية العام، فلا أجد مبررا لهذا الرفض وتلك السخرية التي واجه بها المنتمون للوسط الرياضي برنامج ريكارد والمسحل. رأس الحربة الموجهة إلى فرانك ومحمد، أنهما اختارا الوقت غير المناسب للعب مع المنتخبات الثلاثة القوية، وأن الأخضر الحالي لا يمكن إلا أن يكون صيدا سهلا للمنافسين الثلاثة، وأننا أمام فضيحة كروية جديدة توازي ثمانيتي البرازيل وألمانيا. ولا ينتبه المنتقدون الأعزاء جماهير ونقادا، أننا في هذا الوقت بالذات في أمسّ الحاجة إلى مواجهة الكبار التي غبنا عنها منذ تخلفنا عن ركب المونديال الماضي واللاحق المنتظر، وأن التطور المنشود لأخضرنا وتجاوزه كبوات السنين الأخيرة لن يتأتى ما لم نسع إلى مقارعة هؤلاء والاستفادة من مواجهتهم بما يعطي لاعبينا ثقة في قدراتهم، ويضعهم تحت الضغط الجماهيري والفني. .. ومع غياب لاعبي الكرة السعودية عن الاحتراف الخارجي، تعالت الأصوات تنادي بإطلاق نجومنا للخارج وسنّ القوانين لذلك، ونادى أغلب النقاد والجماهير بأن تكون البداية من منتخبات الشباب والأولمبي وأوصوا بالصبر على اللاعبين والقبول بالعروض القليلة في سبيل الوصول إلى الهدف، واستشهدوا بنجوم الكرة الإفريقية وبمنتخب مصر للشباب في مونديال 2002، وتلك مناداة سليمة الفكر والهدف والوسيلة، لكن الغريب أن بعض المنادين من الجماهير والنقاد، تراجعوا فجأة عن مقاصدهم السليمة وانتقدوا خطوات لجنة المنتخبات الساعية إلى توفير عقود للاعبي منتخب الشباب المشارك في مونديال كولومبيا، واتهموها ببناء جسور للعبور إلى جهات أخرى، وقللوا من التجارب الحالية للحافظ والشهري، والبراهيم والسحيمي وعطيف أخوان، ونسوا مناشدتهم الجميع بالصبر والقبول باليسير بغية الوصول إلى الهدف. جملة التناقضات تلك الموجودة في تعاطي البعض وليس الكل مع الحدث الرياضي، إما أنها صفات لا تنسلخ عن الرياضة والرياضيين، أو أنها دليل على أن هناك متسربين إلى هذا الوسط لا يناقشون الأفكار بل الأشخاص، ولا يحكمون على الموقف، بل على أطرافه، ولا يعرفون الرجال بالحق، بل يعرفون الحق بالرجال، ولا يستطيعون الصمت ما فقدوا الحكمة في الحديث، وتلك سمات تسقط عن صاحبها الموضوعية، وتلبسه رداء الذاتية، وحري بصاحبها ألا يتقدم الصفوف ناقدا ولا يصعد المنابر متحدثا، بل يكفيه شرف الإنصات، حتى يبدل الله حاله بحال أفضل.