اتسمت الافلام العربية والافريقية التي تعرض في الدورة الثانية والعشرين لايام قرطاج السينمائية بجرأة على مستوى معالجة القضايا التي تناولتها من حرية التعبير والمساواة بين الجنسين الى ظاهرة الطفولة المضطهدة والمشردة . وعالج كل من هذه الافلام في الدورة التي افتتحت في 25 تشرين الاول / اكتوبر في العاصمة التونسية واقعا اجتماعيا والاقتصاديا وسياسيا مضطربا . ومن هذه الافلام " المشروع " للتونسي محمد علي النهدي . وقد لقي استحسان النقاد والجمهور لطرحه مواضيع محظورة مثل الرقابة وحمل السلاح وتفشي الجريمة . اما فيلم " خامسة " للتونسي كريم دريدي ايضا فقد اثار جدلا واسعا لجرأته في تناول تفاصيل اليومية لحياة اطفال غجر لا تتماشى مع عمرهم مثل ممارسة الجنس وشرب الكحول . من جهتها، تخطت المخرجة التونسية كلثوم برناز الخطوط الحمراء في فيلم " نصف محبة " وتحدثت للمرة الاولى في تاريخ السينما التونسية عن مسألة الميراث التي تثقل كاهل المراة في المجتمعات العربيةالاسلامية وسط علاقة متوترة بين افراد عائلة يسودها العنف واللامبالاة . وعرضت الافلام العربية ظاهرة انقطاع الاطفال عن الدراسة في سن مبكر بسبب الظروف الاجتماعية القاسية والعنف بين الازواج، الموضوع الذي كان هاجس المخرج الاردني امين مطالقة في فيلم " كابتن ابو الرائد ". والمسألة نفسها طرحها المغربي احمد المعنوني في فيلمه " قلوب حارقة " الذي انتقد بشدة تشغيل الاطفال في سن مبكرة . لكن التفاؤل طغى على فيلم " عيد ميلاد ليلى " للفلسطيني رشيد مشهراوي الذي طرح اسئلة الوطن والانسان . وقال مشهراوي لوكالة فرانس برس " اضفت الى الفيلم لمسة امل من اجل ان تستمر الحياة وبالتالي السينما بالرغم من الوضع السوداوي والاحباط النفسي والاحتلال الاسرائيلي والصراعات الداخلية ". ويجمع مشهراوي في فيلمه وهو انتاج تونسي فلسطيني مشترك، مشاهد وحكايات مأساوية لفلسطينيي الضفة الغربية باسلوب ساخر انطلاقا من حكاية " ابو ليلى " ( محمد البكري ) القاضي الذي كان يعمل في بلد عربي قبل ان تطلب منه السلطة الفلسطينية العودة للعمل في وزارة العدل . لكن ابو ليلى لا يجد الوظيفة في انتظاره . فالتغييرات السياسية المتتالية والبيروقراطية تنعكس بشدة على الاوضاع المهنية ما يجبره على العمل كسائق تاكسي . ويواجه ابو ليلى خلال عمله الكثير من المشاكل والقضايا الصغيرة التي تضطره الى تأجيل عودته الى المنزل للاحتفال بعيد ميلاد ابنته الوحيدة ليلى . وفي نهاية اليوم يفقد اعصابه ويتناول مكبر صوت ويصرخ في الجميع ان يمتثلوا للنظام وان يكف الاحتلال عن كتم الانفاس . وينتهي الفيلم بلقطة تظهر عائلة ابي ليلى وهي تحتفل بعيد الميلاد . ومن اثيوبيا، تناول فيلم " احبك ايها الرأس الاخضر " ظاهرة اغتصاب الاطفال في افريقيا السوداء بينما تحدث الفيلم الاثيوبي ايضا " تيزا " للمخرج هايلي جريما عن احباطات طبيب يعود الى مسقط راسه بعد غياب طويل بهدف المساهمة في بناء اثيوبيا جديدة خالية من المآسي، متسلحا بافكار ثورية لكنه يصطدم بواقع مشتت تنخره الصراعات السياسية . كذلك عرض الفيلم المالي " فارو ملكة المياه " لساليف تراوري التجاذب بين دعاة الحداثة واصحاب الافكار القديمة في مجتمع ريفي مسكون بهواجس ومعتقدات املاها التخلف الفكري والتعلق باساطير قديمة . من جهته، تناول فيلم " زيمبابوي " للمخرج دارال جامس رودت الصراعات الاجتماعية والسياسية في هذا البلد الافريقي في عهد الرئيس روبرت موغابي وقدم صورا لضحايا التمييز العنصري والعنف والايدز . ويشارك في هذه الدورة التي تحتفي بالسينما الشعبية والمناضلة 150, فيلما من اوروبا واسيا والولايات المتحدة . ويتنافس 54 من الافلام الطويلة والقصيرة الروائية والتسجيلية من 18 دولة عربية وافريقية على " التانيت " الذهبي للمهرجان الذي يهدف الى النهوض بالسينما الجنوب منذ تاسيسه قبل 42 عاما .