تدخل الأزمة السورية في مرحلة حاسمة، وتتصدر الأنباء عن حراك السلطة والمعارضة نشرات الأخبار، وتراقب الأطراف العالمية مهمة المبعوث المشترك لمجلس الأمن والجامعة العربية كوفي عنان باهتمام بالغ، ومع اقتراب استحقاقات مهمة مثل مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في نسخته الثانية في اسطنبول تتزايد الضغوط العربية والدولية على المعارضة والنظام لتحديد مواقف واضحة من مبادرة عنان، ورسم معالم سورية في المرحلة المقبلة، وتجنيب البلاد خطر الانزلاق إلى حرب أهلية دموية وطويلة الأمد، وليس من باب المبالغة القول إن الشهر الأول من عام الحراك الثاني في سورية سوف يرسم ملامح الحل ويترك أثراً كبيرا في مستقبل البلاد على مدى سنوات طويلة مقبلة.تزامناً مع إعلان عنان موافقة السلطات السورية على خطته للتسوية السلمية، نزل الرئيس بشار الأسد إلى الشارع وجال في حارات باباعمرو في مدينة حمص، ونقل التلفزيون الرسمي مقاطع تظهر الرئيس محاطاً برجال ونساء في الحي الحمصي المنكوب، وأكد لهم أن الأوضاع سوف تصبح أفضل مما كانت عليه سابقاً، وفي مقاطع أخرى يتابع الأسد سير أعمال الصيانة وإعادة إصلاح البنية التحتية للحي الذي حوصر 26 يومياً، وكان ساحة لقتال عنيف استخدمت فيه صنوف الأسلحة الثقيلة المختلفة، وفي لقائه مع عدد من الجنود أثنى الأسد على دورهم وجهودهم على مدى العام الأخير، والواضح أن النظام أراد بعث رسائل داخلية وخارجية عدة أهمها على الإطلاق أن النظام على الأرض أقوى، وأنه انتصر على "الإرهاب" وهي رسالة تشير إلى أنه إذا أراد الدخول في حل سياسي فهو من موقع المنتصر والمسيطر على الأرض وليس من موقع الضعيف، وأنه بعد نجاعة الحل الأمني في التصدي للمجموعات المسلحة مستعد للدخول في حوار وطني شامل حول مستقبل سورية، كما أنها رسالة لعدم المراهنة على تفكك السلطة والمبالغة في دعم المعارضة، وداخلياً لايرغب النظام في تفسير قبوله مبادرةعنان على أنه رضوخ للضغوط الدولية بل كمحطة من محطات الاصلاح المتواصل من بداية الحراك في مدينة درعا الجنوبية منتصف مارس/آذار من العام الماضي، وفي هذا الاطار يصب طلب مجلس الشعب تأجيل الانتخابات التشريعية إلى ما بعد السابع من مايو/ أيار المقبل، على أنه لاعطاء المجال لمواصلة الإصلاحات ودخول جميع القوى الراغبة في رسم ملامح انتقال سورية إلى الديمقراطية دون تغيير رأس النظام، والمحافظة على مؤسساته. من دون التقليل من حجم النتائج التي خرج بها مؤتمر اسطنبول لتوحيد المعارضة في 27 مارس/آذار الجاري، إلا أنه لا يمكن المراهنة على استمرار وحدة المعارضة طويلاً نظرا لإختلاف برامجها التي تصل أحياناً إلى حد التناقض، وهذا ما بدا واضحاً في انسحاب وفد المجلس الوطني الكردي، وتسويف إعادة هيكلة المجلس الوطني لمدة ثلاثة أسابيع ربما تتلوها فترات أخرى، وهو ما يحرم المعارضة مرة أخرى من الدخول موحدة الصفوف والرؤية إلى مؤتمر أصدقاء سورية المقرر عقده في اسطنبول بداية الشهر المقبل، كما يرسل رسالة إلى قمة بغداد العربية حول عدم جهوزية المعارضة وتوحدها كاملة حول برنامج محدد.وحتى لا نجانب الحقيقة فإن اجتماع المعارضة الأخير خلص إلى ضم مجموعة من القوى والشخصيات، وكسب اعترافاً من قوى جديدة بتمثيل الشعب السوري مع دخول هذه القوى إلى اطاره التنظيمي، كما أفضى إلى بلورة خطة لمستقبل سورية وهو الطلب الأكثر الحاحاً بالنسبة للحكومات الغربية والعربية على حد سواء.ويبقى السؤال هو كيف ستتعامل المعارضة مع عدد من القضايا أهمها تسليح الثورة، والموقف من الجيش الحر، إضافة إلى اتخاذ موقف واضح من الحوار مع النظام دون طرح شرط تنحية الأسد وفق مبادرة عنان، وهو ما قد يخلق انشقاقات جديدة في صفوف معارضة تأخرت كثيراً عن الحراك الشعبي .حركة الإخوان المسلمين تحركت بدورها في شكل لافت، وأثبتت الحركة مرة أخرى أنها القوة المعارضة الأكثر تنظيماً، والقادرة على اشتقاق رؤية "تدغدغ" مشاعر الجماهير، وفي بداية الأسبوع الحالي أصدرت وثيقة "عهد وميثاق"، وقالت إنها "تمثل رؤية وطنية، وقواسم مشتركة، تتبناها جماعة الإخوان المسلمين"، واعتبرتها "أساساً لعقد اجتماعي جديد، يؤسّس لعلاقة وطنية معاصرة وآمنة بين مكوّنات المجتمع السوري بكل أطيافه الدينية والمذهبية والعرقية وتياراته الفكرية والسياسية". وأعلن "إخوان سورية" التزامهم بالعمل لبناء دولة مدنية حديثة تقوم على دستور مدني، في إطار "دولة ديمقراطية تعددية تداولية" بنظام جمهوري نيابي منبثق من صناديق الاقتراع وفق انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، كما دعت الحركة إلى دولة مواطنة ومساواة، يسود فيها القانون و "لا مكان فيها للأحقاد، ولا مجال فيها لثأر أو انتقام.. حتى أولئك الذين تلوثت أيديهم بدماء الشعب، من أيّ فئة كانوا، فإنّ من حقهم الحصول على محاكمات عادلة، أمام القضاء النزيه الحرّ المستقل". وتعد الوثيقة تطوراً مهماً في طرح الإخوان المسلمين، وتقلل من المخاوف الغربية في شأن مستقبل سورية، خصوصاً أن الوثيقة تضمنت تعهدا بمحاربة الإرهاب واحترام الاتفاقات والمعاهدات الدولية.