لم يكن هذا العنوان من صنعي أو ابتكاري، ولكنه شعار معرض الرياض الدولي للكتاب لهذا العام 2012، وظاهرة معرض الكتاب لا تعدو عن انها ظاهرة ثقافية من الدرجة الأولى فحسب بل تتعداها، كونها اللبنة الأساس في تشكيل المرتكزات التي تعتمد عليها الثقافة وتشعباتها.. ومعرض الرياض الدولي للكتاب يشكل ظاهرة وعلما ثقافيا يتكرر كل عام، وتنعكس على أثره ثقافة إيجابية تغذي المجتمع بمذاهبه الفكرية والإبداعية كافة، وإن كنا لا ندركها جلية وواضحة، ولكنها تعطي سيالات وشحنات ثقافية تتغلغل في أعماق المجتمع، وتظهر عليه زيادة في الوعي والإدراك والتنوير، وهذا ما أدركناه في السنوات الأخيرة. «الحياة.. قراءة» شعار اتخذه معرض الرياض الدولي للكتاب لهذا العام 2012، وهو أول مرة يطلق على معرض الرياض الدولي للكتاب شعارا، وإن الرؤية الفاحصة لهذا الشعار تضعنا على صهوة حصان يحمل لنا أهمية وعمقا، بل فلسفة للقراءة في حياتنا، وأنها ضرورة لابد منها، فهي ضرورة حتمية في الحياة.. لا أدعي أنني من أولئك مدعي إدمان القراءة، ولكنها تشكل جزءا مهما من برنامجي اليومي وإن قل وقتها أحيانا، فهي تتمحور في هاجس مهم بتركيبتي، فطقوسي فيها - القراءة - ليست محددة حيث لا طقوس معينة لي، ولكنني أقرأ في أي وقت، لذا القراءة جزء مهم من حياتي ف «الحياة.. قراءة»، القراءة عقيدة وإيمان ودين ومنهج، وأيضا فن وإبداع، فهي المدخل الرئيس للحياة والعقيدة، لذا كانت أول آية نزلت على الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «اقرأ...».. القراءة تشكل الحياة بكل مقوماتها بفلسفة ما، سواء الظاهرية الملموسة منها أو المعنوية المستترة.! وقد وفق القائمون على المعرض في اختيار هذا الشعار الذي له أبعاد فلسفية عميقة، ولا يخفى على أحد أن للقراءة الأهمية الكبرى للحياة وإدراك صنعها، وهذا ما أشار إليه الشعار وأبعد من ذلك، بها ترقى أمة، ومن دونها تفشل أجندة أمة أخرى.. تضيق الفجوات وربما تنعدم بين الثقافات المختلفة، وتسير في طريق الكمال، حيث اتساع الإدراك، وسمو الوعي، والنظر غير المنحني في طريق الحياة! لا أستطيع القول إلا أن معرض هذا العام ظاهرة اتسمت بالاهتمام، وإن كان توأما لما سبقه من معارض هنا في الأعوام السابقة، ولكنه يحمل كما عاليا من العطاء المعرفي والثقافي والفكري، كونه رفع شعارا يتضمن معنى واسعا وعميقا.. فمعرض الكتاب في كل مناطق العالم شريان حياة، بل هو الحياة ومنارة للمثقف والأديب والكاتب والمبدع والمهتم والباحث.. هو هواء نقي نتنفسه ويجدد حراكنا الداخلي قبل الخارجي. معرض الرياض الدولي للكتاب «الحياة.. قراءة» ظاهرة ثقافية وحيوية تستحق النظر بما يرافقه من ندوات ومحاضرات وورش إبداعية وفنية وتربوية وترفيهية للشرائح كافة سواء العمرية أو النخبوية المثقفة.. ومن لا يدرك أن معرض الكتاب في كل مناطق العالم ظاهرة ثقافية لا أشك في أن به صمماً أو عمى أو أنه معتوه، معرض الكتاب يعني كتابا، والكتاب يعني قراءة، والقراءة تعني ثقافة، والثقافة تعني اتساع إدراك ووعي، وهما نور، وهو يعني الحياة، ولا تعدو القراءة عن كونها فلسفة لها أبعاد في كل مجالات الحياة بل تتجاوزها وتسود وتتخطى ألوان الطيف! وكوني أحد ضيوف المعرض لمدة أربعة أيام (الأولى منه) شاهدت التدفق الكبير من الزوار، ولعل هذا مؤشر يشعرك أن عدد القراء في المملكة في تزايد، بعيدا عن الأرقام التي تشير إلى انخفاض معدل القراءة في وطننا العربي، وأن القراءة الورقية ما زالت تجذب الكثيرين من شرائح المجتمع. ومع هذا التزايد نتمنى أن يتطور المعرض أكثر مما هو عليه الآن، فهو توأم للأعوام السابقة نأمل له التطور حتى لا يفقد الزائر متعته في الزيارة له، في ظل الإمكانات الهائلة التي يحظى بها من وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة، والذي يجد دعما سخيا من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله تعالى- كل ذلك من أجل نشر الثقافة، والتي هي أساس الحياة بعد (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون)، وإن كانت العبادة هي ثقافة.