يبعث "المؤشّر العربيّ" لعام 2011 الذي صدر في اذار 2012 عن مشروع قياس الرّأي العام العربي في المركز "العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة" برسائل محمّلة بالدلالات المهمة لكل الأطراف ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.إذ إن قيمة هذا الاستطلاع أنه يعد الأول عربيا الذي يتقصى الرأي العام من موضوعها مهمة وهي بذات الوقت "مهملة" كونه ليس هناك مراكز متخصصة بالمنطقة لدراسة الرأي العام العربي حيال العديد من القضايا لا سيما في الوقت الذي تُواجه المنطقة العديد من التحديات والتغيرات الدراماتيكية والتي لا تقل أهمية عن السعي الإيراني والإسرائيلي للعب دور مؤثر في القضايا العربية المركزية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مما أوجد حالة من الانفصال بين صانع القرار العربي من جهة، ومطالب وطموح الرأي العام العربي من جهة ثانية، وهو ما يُبرز أيضا أهمية هذا "المؤشر" الذي يُعتبر أكبر مشروع لقياس الرّأي العامّ العربيّ حاليًّا، فقد تناول 12 دولة تشمل 85 بالمئة من سكّان الوطن العربيّ، بواقع 16173 مقابلة وجاهيّة مع عينة ممثلة من المواطنين في هذه البلدان. وقد صدر عن جهة "ليست ذات غرض"، وسبق للدراسات والأبحاث التي صدرت عن المركز أن حظيت باهتمام سياسي وأكاديمي متميز، وسيحظى هذا المؤشر السنوي بنفس هذا الزخم وسيؤسس عليه لخدمة المشروع والأمن القومي العربي... فماذا تقول نتائج الاستطلاع وأرقامه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي؟ 74 بالمئة من العرب يرون أن إسرائيل والولايات المتّحدة الأمريكية هما الدولتان الأكثر تهديدا لأمن الوطن العربي، كما أن نسبة 84 بالمئة من الرأي العام ترى أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب جميعا، وليست قضية الفلسطينيين وحدهم. هذه النسبة تبعث برسالة مهمة، وهي أنه على الرغم من التحديات الجسام والمشاكل العديدة والمتعددة التي تعرضت وتتعرض لها الشعوب العربية على مدار العقود الماضية لغاية اليوم وتغير أولوياتها واهتماماتها، وما توصلت إليه العلاقة الفلسطينية- الفلسطينية أيضا، ورغم أن ثمة من روّج لانكفاء الشعوب العربية تجاه القضية الفلسطينية إلا أن مؤشر هذا الاستطلاع أثبت أن فلسطين لا تزال قضية العرب الأولى، رغم المشكلات التي استجدت بالنسبة للعديد من الدول العربية وشعوبها. وما مرت به القضية الفلسطينية منذ أوسلو لغاية اليوم إلا أنها لا تزال هي القضية الأساسية والرئيسية، وما زالت في حضن الجماهير العربية بقوة وهي لب الصراع في هذه المنطقة وستبقى قضية العرب الأولى إلى أن تحل الحل العادل الذي يحقق للشعب الفلسطيني هدف قيام دولته المستقلة. اعتراف 84 بالمئة من أبناء الأمة العربية أن فلسطين هي قضية العرب جميعا يعني من جملة ما يعنيه فشلا لكل مخططات الاستعمار، ولكل العمليات التي مارستها القوى الاحتلالية ومن يدور في فلكها على مدار العقود الماضية تجاه هذه القضية، كما أنها رسالة إلى إسرائيل وحكامها الذين راهنوا على نسيان العرب لقضيتهم الأولى والأساسية؛ فقد كان آباؤهم المؤسسون يراهنون على أن الأمة العربية من الخليج إلى المحيط، ستمل هذا الصراع وستضطر مع الوقت للانكفاء والتعايش مع واقع الحال وعلى أساس التسليم بوضعية "اللا حرب واللا سلام"؛ وقد أسقطت نتيجة ال84 بالمئة المقولة الصهيونية "الأجداد والآباء يموتون والصغار ينسون".في هذا الاستطلاع يجدد الرأي العام العربي العهد تجاه فلسطين، فهل تقدّر الحكومات والأنظمة العربية هذا العهد وهذا الكرم فلا تخذلهم في الممارسة؟!.