عادت لقريتها الصغيرة تحمل حقيبتها الكرزية ومعطف لجدتها مبرقش بحكايات الشتاء الدافئة ورائحة البن في أطرافه تداعب ذاكرتها تمشي بين مباني الطين العتيقة وهي تتنفس طفولتها ذات الحُلم الضبابي وتستعيد لأضلعها حنين الحب المتعربش على سيقان أشجار التين وأصوات العصافير تضج بأغصانها ترتل أحلام كانت ترتاد مخيلتها. عادت وهي تقرأ ملامح الطين في ذلك الممر الضيق تبحث عن خواتم البعيثران وأقراط القرنفل تفتش عن عشب الوادي وزهر السكر كان كل شيء فيها يتحسس عبق الماضي لم تجد شيئا سوى صمته الأربد وإبتسامته الشهباء خلف الجبال الشاهقة وصوت الضوء الحنون يخترق قلبها ويدغدغ عشقها المجنون . كانت آتية وحناجرها ممتلئة ب غصة خوف معجون بشوق تسأل تفاصيل جسدها ..هل سيتذكرني؟ هل سألمع في عينيه كعادته حين تُعانقني ابتسامته؟ ظلت خطواتها تتقارع حتى وصلت لزاويته الحجرية المترامية تحت ظل شجرة التين وحين اقتربت سمعت صوت أنفاس حثيثة فإذا هو طفل توشح الرمادي يداه مشدودتان من البرد يلعب بكُتل الطين منهمك في اللهو شعرت بقبضة تعصر قلبها وهي تستدير لترى وجهه رفع رأسه الصغير وخديه المتوردين يُلهب في عينيها جمر السؤال همست :ما اسمك؟ أجابها لكنها لم تلتقط شيء من قواها شعرت بأن روحها أصبحت خفيفة جداً لاوزن لها تحلق في السماوات فمعها تلاشي في ملامحه ..نظراته..رائحته كل تفاصيله تقتلها تراجعت للخلف واستدارت نحو الشمس العابسة الهاربة خلف الجبال أطلقت ساقيها للريح تخفق سريعاً تبحث عن أي مكان تدفن فيه صرختها عيناها المكتحلتين تعاني الغرق لم تعد ترى ف الدمع يدهن أهدابها بالملح الحارق ظلت تعارك أجفانها وشهقاتها تتوالى تنفث خصلات شعرها الثائر في وجه الريح ظلت تسابق خطواتها تهرب من ذاتها بهلع عنيف وفجأة شعرت بأن أضلعها تتعانق وأطرافها تتراص وشعرها الثائر يلتقط أنفاسه أحست بدفء يُغلف وجنتيها ويرخي شفتيها المتيبستين وقبل أن ترفع عينيها سمعت صوتاً هامساً يدس في أذنيها ذات الكلمة التي قتلتها منذ أن رحلت (أحبكِ) . ريانة القحطاني