آخر تقليعات وزير الخارجية "الإسرائيلي" أفيغدور ليبرمان اتهامه أعضاء "الكنيست" العرب بأنهم يمثلون "منظمات إرهابية" لأنهم تضامنوا مع الأسير الفلسطيني خضر عدنان أثناء إضرابه عن الطعام الذي استمر ستة وستين يوماً احتجاجاً على استمرار أسره إدارياً من دون محاكمة. هذا المأفون بالحقد الأعمى على كل ما هو عربي، يتجاهل حقيقة أن لجوء الاحتلال إلى فرض الاعتقال الإداري على الأسير خضر ورفاقه وعدم تقديمهم للمحاكمة، معناه عدم وجود أي دليل يمكن تقديمه للمحكمة مع كل ما تعنيه من أداة تخدم الاحتلال باسم القضاء وتعبيراً عن حالة تضليل للعالم عبر إظهار هذا الاحتلال بأنه مؤسساتي ويلجأ إلى القانون. فلو كان جلادو خضر وجدوا بين أيديهم دليلاً واحداً يمكن محاكمته بموجبه، لما أودعوه الاعتقال الإداري المستند إلى قانون موروث عن الاستعمار البريطاني ويسمح بتمديد فترات الاعتقال بناء على ما يسمى "الملف السري". ليبرمان الموتور هذا يتناسى، عمداً، أن خضر عدنان عندما أضرب عن الطعام لجأ إلى وسيلة نضالية مشروعة في القانون الدولي، وهي الأكثر سلمية وإنسانية ومعاناة، وليس لغاية سوى الاحتجاج على الاعتقال الإداري باعتباره أحد أشد أشكال الاعتقال تعسفاً وظلماً ومعاداة لحقوق الإنسان وللديمقراطية التي يتشدّق بها كيانه ليلاً ونهاراً؛ ويتناسى أيضاً أن فلسطينيي ال48 جزء أصيل من شعبهم العربي الفلسطيني، ومن الطبيعي أن يتضامنوا مع إخوانهم الأسرى ومع شعبهم الفلسطيني ونضاله الوطني التحرري ومع كل معاركه ضد الاحتلال. ليبرمان الذي يتحدّث عن الإرهاب لم ينظر إلى نفسه في المرآة. وللتذكير، فإن عداء ليبرمان للعرب عموماً ليس وليد اللحظة ولا ارتباط له بقضية الأسير خضر، بل قبل ذلك بكثير ومنذ جاء مهاجراً من مولدافيا شاباً عمره عشرون عاماً.لم يكن خضر أسيراً عندما تبنى ليبرمان وحزبه علناً أيديولوجيا أشد عنصرية من أقرانه في الحركة الصهيونية، وهو يجاهر بدعوته إلى طرد فلسطينيي ال48 من ديارهم، وهو قبل إضراب الأسير خضر قارن من على منبر "الكنيست" بين الأعضاء العرب في "الكنيست" والمتعاونين مع النازية، داعياً إلى إعدامهم. المفارقة الكبرى أن ليبرمان هذا يتهم قادة الداخل الفلسطيني أنفسهم بأنهم يغضون الطرف عن قتل الآلاف في سوريا، ويرى أن هذه خيانة للأمة العربية وخيانة لمواطني سوريا وخيانة "أيضاً" ل"إسرائيل"، وبقي هذا الذي أقيل من منصبه ذات مرة لضربه طفلاً، أن يسحب منديله من جيبه ويمسح دموعه. ربما يريد هذا العنصري أن ينسينا أنه اعتبر، في خطاب من على منصة "الكنيست"، بقاء عرفات حياً، وذلك قبل اغتياله على الأرجح، عجزاً من "إسرائيل" التي دعاها في حينه إلى قصفه بقنبلة تزن طنّين، وأنه دعا إلى قصف السد العالي بقنبلة نووية بهدف إغراق الشعب المصري عقاباً له على دعمه للمطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، وأنه حرّض دول حوض النيل على إعادة النظر في اتفاقية تقاسم المياه لكي يعطّش مصر والسودان، وأنه كان من أشد العاملين على انفصال جنوب السودان. إذا كان نضال خضر عدنان إرهاباً، وكان تضامن فلسطينيي ال48 معه بالتظاهر السلمي إرهاباً، فماذا يمكن أن تكون هذه المواقف المعلنة لليبرمان؟ سؤال لا يحتاج إلى إجابة معروفة سلفاً من هذا المهاجر الذي لا يملك في فلسطين ظل شجرة يكتب عنه ذكريات، لكنه سؤال ننبش به آذان المتناسين والمتغافلين من العرب والمسلمين .