يتواصل زخم الحملة الانتخابية الرئاسية في روسيا ويأخذ أشكالاً مختلفة، وقبل أيام من الانتخابات المقررة في 4 مارس/آذار المقبل يواصل المرشحون الخمسة لمقعد "سيد الكرملين" التنافس بطرق متنوعة ويزداد حجم المقالات والأخبار عن الانتخابات خصوصاً أنها تأتي بعد شتاء سياسي "ساخن" أشعلته احتجاجات المعارضة على انتخابات مجلس الدوما(البرلمان الروسي).وفي مقابل استطلاعات الرأي التي بينت أن رئيس الوزراء الحالي فلاديمير بوتين هو المرشح الأوفر حظاً بالفوز من الجولة الأولى، صعدت المعارضة، ودفعت بألوف من مناصريها لتشكل سواراً بشرياً يحمل شعارات بيضاء تدعو إلى "روسيا بدون بوتين"، ورد أنصار "زعيم الأمة" بتجمعات إلى جوار المعارضين رفعت قلوباً حمراء تمجد القائد ورددت شعارات منها "بوتين وبس.. النصر وبس".مما لاشك فيه أن المعارضة تدرك تماماً أن النتائج باتت محسومة وهو ما تؤكده الاستطلاعات، وكذلك آراء معظم خبراء السياسة وعلم الاجتماع، لكنهم ربما أرادوا إيصال رسالة بأن صورة "زعيم الأمة" باتت مهتزة. وبملاحظة الشعارين السابقين فإن حجم الاستقطاب حاد جداً بين الجانبين، على اختلاف حجم كل منهما، فشعار المعارضة يرفض من حيث المبدأ وجود بوتين في الحكم، فيما يربط المؤيدون بين زعيمهم والنصر ولا يقبلون دون ذلك.كان اختيار المعارضة لمكان، وزمان، وشعارات حملتهم الأخيرة قبل الانتخابات موفقاً، ولا يمكن أن يتجاهله معظم سكان العاصمة فالسلسلة البشرية أحاطت بمركز موسكو على الخط الدائري الأول "سادوفي كالتسو" الذي يحيط بالكرملين ومركز موسكو وتسببت التظاهرة المعارضة بأزمة مرورية خانقة رغم يوم العطلة أجبرت الجميع على الالتفات لشعاراتها والتفكير فيها بغض النظر عن الموقف منها رفضاً أو قبولاً.وبعد التظاهرة المعارضة بيوم في 27 شباط/فبراير أنهى بوتين سلسلة مقالاته بطرح مواضيع السياسة الخارجية مرة أخرى، وتطرق فيها في شكل مباشر إلى موقفه من "الربيع العربي" وكيف تغير مع تغير الأهداف والوسائل، واستئثار شريحة محددة بقيادة الحراك بعد غيابها، مع إظهار الخوف من مآلات هذا الحراك وقدرته على تحقيق التغيير المطلوب، وربما كانت المقالة أبعد ما تكون عن سابقاتها من حيث تأثيرها في الحملة الانتخابية، فهي لن تزيد من حجم الدعم لبوتين إلا ببعض نقاط لن تمكنه، على الأغلب، من تجاوز حاجز ال 73 في المئة "النفسي" الذي بلغه في العام 2004 في الانتخابات الرئاسية الثانية، كما أن المنافسين الرئيسيين يظهرون تشدداً أكبر من بوتين في قضايا السياسة الخارجية.لكن الأهم ربما هو ما كشفت عنه التلفزة الروسية عن إحباط مخطط لاغتيال بوتين تم التحضير له في أوكرانيا، وافتضاح الأمر قبل شهرين إثر تفجير في شقة المتهمين بالضلوع في المحاولة. وتطرح الصحافة المعارضة تساؤلات حول توقيت الكشف عن المخطط، وهو ما تلقفته الصحافة العالمية مباشرة، ونشرت عشرات المقالات التي انطلقت من "نظرية المؤامرة"، واعتبر بعضها أن الخبر"مناورة انتخابية من قبل قناة بوتين" ومع شبه إجماع المراقبين على فوزه واختلافهم على نسبة مؤيديه ذهبت الغارديان إلى التساؤل عن تأثيرات الأنباء عن اعتكاف زوجة بوتين (أو تغيبها) في أحد الأديرة على حجم الأصوات التي سوف يجنيها.يختصر المتقاعد اداورد ليمونوف المشارك في احتجاجات موسكو في 27 فبراير/شباط أهداف الحراك بالقول إلى وكالة "انترفاكس" الروسية "إن التظاهرة أقرب ما تكون إلى فئة وسائل التسلية"، ولكن تحليلاً أعمق يظهر أن المجتمع الروسي يحتاج إلى تشكيل معارضة مختلفة تنهي دور الأحزاب التقليدية التي برزت بعد انتهاء الاتحاد السوفيتي وتغيير رموز شاخت وهي تكتفي بلعب دور المنافس العنيد في الانتخابات الرئاسية فغينادي زوغانوف زعيم الحزب الشيوعي الروسي البالغ من العمر 67 عاماً يخوض محاولته الرابعة للظفر بكرسي الكرملين ولم يتنازل عن هذا "الحلم" إلا في العام 2004 عندما وجد أنه لا سبيل إلى الفوز أمام بوتين في فترته الثانية، وعلى الأرجح فإن ما حققه الحزب الشيوعي في الانتخابات البرلمانية في 4 ديسمبر/كانون الثاني 2010 م. ولا يختلف الحال بالنسبة لفلاديمير جيرينوفسكي البالغ من العمر 65 عاماً والذي يخوض الانتخابات للمرة الرابعة أيضاً أولها يعود إلى العام 1991. وأما سيرغي ميرونوف الذي يخوض الانتخابات للمرة الثانية فالأرجح أنه لم يستطع إقناع كثير من الناخبين بجديته في معارضة بوتين ما يجعله مرشحاً لاختتام الخماسي المرشح للانتخابات التي بات من غير المتوقع أن يشكل الملياردير ميخائيل بروخروف مفاجأتها.الواضح أن نتائج الانتخابات الروسية باتت شبه محسومة، ويبقى السؤال عن حجم الأصوات التي سوف ينالها كل مرشح، كما بات واضحاً أن وضع بوتين ك "زعيم للأمة" أمام اختبار حقيقي في مرحلة ما بعد الانتخابات.