بات من الواضح أن الأمور لن تعود في سوريا إلى ما كانت عليه قبل تاريخ الخامس عشر من مارس/آذار 2011. الكثير من الأمور تغيّرت، وما عاد من الممكن وقف حركتها التي تقود سوريا إلى سيناريوهات عدّة، سبق أن شهدتها المنطقة خلال العقود الماضية، وبعضها لم يمر عليه أكثر من أشهر قليلة. سوريا في المرحلة الحالية باتت منشغلة بأوضاعها الداخلية، التي تنبئ بمجهول، ليس أقله الحرب الأهلية، التي يعتبر البعض أنها بدأت بالفعل، وإن على نطاقات ضيقة، وأنها مرشّحة للتوسّع. سوريا لم تعد سوريا، فخلال الأشهر الماضية سقط آلاف القتلى والجرحى، وتم اعتقال الآلاف أيضاً، وزادت النقمة على النظام، وجدار الخوف سقط شيئاً فشيئاً، وهو ما تجلّى في الانشقاقات في صفوف الجيش، إضافة إلى حمل السلاح ضد السلطة، وهو ما يؤكد أن العودة إلى الوراء باتت شبه مستحيلة، حتى في ظل الحملة الأمنية والعنف المتبادل، والذي لن يؤدي إلا إلى زيادة الأمور تعقيداً، سواء في صفوف المواطنين، أو بين عناصر الجيش برتبهم المتنوعة. سوريا لم تعد سوريا، بات هذا أمراً واقعاً، لكن السؤال هو ماذا أصبحت؟ الإجابة لا تزال غير واضحة، وإن كانت مروحة واسعة من الاحتمالات مطروحة على طاولة البحث والنقاشات. كثيرون يرون أن العراق قد يكون النموذج الأقرب حالياً، من دون وجود أمريكي، لكن القتال سيكون حاضراً والتفجيرات أيضاً، والانقسامات المناطقية. السيناريو اللبناني أيضاً ليس بعيداً عن الواقع السوري، مع استنساخ تجربة الحرب الأهلية المناطقية الناتجة عن ضعف القبضة المركزيّة، وهو أمر يحصل في مناطق متعددة مع العنف الطائفي الذي بدأ يخرج بشكل فاقع إلى العلن مؤخراً. وفي السيناريوهين اللبناني والعراقي، المتشابهين إلى حد كبير، فإن لبنان لن يكون في منأى عن مثل هذه التداعيات، وهو الأمر الذي يعيه المسؤولون اللبنانيون جيداً، ويعملون على تجنبه عبر سياسة "النأي بالنفس"، التي لن تجدي نفعاً، حين تفلت الأمور من عقالها. السيناريو الليبي قد لا يكون مستبعداً في مرحلة لاحقة، وإن كان حلف الأطلسي يؤكد إلى اليوم أنه ليس في وارد التدخل. لكنه قد يحصل من دون هذا التدخل المباشر. أما التجربة اليمنية، التي تتبناها الجامعة العربية وتسعى إلى تطبيقها في سوريا، فيُخشى أن الأحداث قد سبقتها، مع انطلاق المعارك على نطاق واسع في البلاد. وإن كان تكرار التجربة التونسية بات شبه مستحيل، يبقى النموذج المصري فرصة لتجنيب البلاد الانزلاق إلى مزيد من الفوضى والاقتتال. نموذج قائم على حل يأتي من الجيش، وهو ما ينادي به كثيرون.