ما من مستعمر إلا له عملاء من مستعمريه، بعضهم كسبهم سابقا ليمهدوا له طريق احتلال بلادهم، والبعض الآخر كسبهم لاحقا ليثبتوه ويسهلوا له التحكم في كل مفاصل البلاد. إن كان هذا التمشي نهج كل من الاستعمارين: الانجليزي والفرنسي، فإن المستعمر الفرنسي- عكس الانجليزي- يبقي اهتمامه منصبا على فئات من الأهالي يراها حجر الزاوية في بقائه في المستعمرة واستغلال ثرواتها وتغريب أهلها. يضاف إلى ذلك أسلوب آخر ابتكره المستعمر ليضم إلى صفه جماعة من الأوساط الشعبية الفقيرة المدنية، متمثلا في إنبات فروع من أحزاب في أرض وطنه الأم في المستعمرة، مشجعا السكان على الانخراط فيها فينخرط الفقراء في الأحزاب اليسارية عادة، والأغنياء المشار إليهم في الأحزاب اليمينية، وبهذا تنشأ في الطبقة الشعبية الفقيرة الثورية عادة فئات لا ترى المستعمر خطرا عليها هوية وحضارة وقيما وتاريخا، بل تراه مثالا للحداثة عليها الاقتداء به والاستظلال بظله والاطمئنان في كنفه. إن اقتطاع المستعمر شرائح من الجسم الاجتماعي الأهلي موالية له طبعا أو تطبعا للتمكين له في أرض الغير بالثقافة اللغة والتقليد "تقليد المغلوب للغالب" والدعاية والإعلام والعسف وإعداد مبكر لجيش خاص من الحركيين/المحاربين في سبيل بقائه أيام ثورة الشعب المستعمر على غازيه، التي لا بد منها طال الزمان أو قصر، والمدافعين عنه بالسياسة والثقافة والوشاية والعمالة. إن السياسة الاستعمارية الفرنسية المذكورة تكون دوما مدعومة بمدارس ذات مناهج فرنسية وإدارة ودور سينما ومسرح ومكتبات "في المدن الكبرى" فرنسية اللسان. إن خطر الاستعمار الفرنسي السرطان ليس استيطانه الأرض ونهبه الثروة وكسبه عبر الزمن طماعين وضعاف نفوس فقط، وإنما استيطانه بعض العقول والنفوس استيطانا كفرها في هويتها العربية الإسلامية الدينية اللغوية الحضارية التاريخية القيمية، وعبّدها "جعلها تعبد" حضارة المحتل لغة وتاريخا وقيما. إن مستعمرات فرنسا قد "استقلت" عن فرنسا لكن بقي في كل مستعمرة مجانين فرنسا، وهم طابور خامس يهيمون بفرنسا ويكرهون الوطن العربي ويصيحون كل صباح وكل مساء أن لا خير في الشرق، وأن الخير والحداثة كامنان في تبعية الأم الحنون فرنسا!! لذلك كانت الكوارث الاقتصادية والسياسية والقيمية والثقافية والاجتماعية، وأشرفت الشعوب على التفكك والتفتت والانهيار الشامل لولا ثورات الإنقاذ الشعبية التي أخذت تهشم أنظمة الفساد والإفساد والتبعية وترعب الحركيين.