يسيطر هاجس الخوف من المستقبل المجهول على مفكري وقادة دولة الاحتلال. المتتبع لمحاضرات وتصريحات قادة الاحتلال الحاليين والسابقين؛ يلمس رؤية ضبابية، وتناقضا وإرباكا كبيرا في تصريحاتهم لما يتوقعونه لمستقبل دولتهم؛ خاصة بعد عملية التغيير المتواصلة في المحيط العربي الهادر، والتي فاجأتهم على حين غرة. الكتاب والمحللون، وصولا إلى النخبة السياسية وقيادة الصف الأول، يفتقدون لتصور مسبق ومحدد لما هو آت، وأسباب ذلك كثيرة، لعل من أبرزها قناعتهم وإيمانهم الخفي وغير المعلن بعدم أحقيتهم فيما استولوا عليه واحتلوه في غفلة من الزمن الغابر، وبقوة البطش والإرهاب. "نتنياهو" من على منبر الكنيست قال بإن دولته تواجه فترة من عدم الاستقرار وعدم اليقين في المنطقة.المؤسسون الأوائل لدولة الاحتلال كانوا يفكرون في كيفية الامتداد والانتشار، والآن تراجع قادة الاحتلال وصاروا يفكرون في كيفية المحافظة على البقاء لأطول فترة ممكنة لدولتهم، التي بنوها على حساب دماء وآلام شعب آخر. يعرف قادة الاحتلال أن الشعوب العربية قاطبة ترفض وجود جسم غريب بينها، وإذا ما أتيح لهذه الشعوب أن تعبر عن طموحاتها وإرادتها عبر خيار الديمقراطية الحقيقية فإن خيارها هو رفض وجود دولة الاحتلال، وهو ما أشار إليه رئيس أركان جيش الاحتلال "بيني غنتس" الذي صرح بالقول إن "الربيع العربي أعاد دولة الاحتلال إلى الأوضاع التي كانت عليها عام 1967". بين فترة وأخرى تسارع وسائل الإعلام العبرية بإبراز تصريحات معينة ومنتقاة بشكل دقيق باحترام الأحزاب الإسلامية في مصر لاتفاقية "كامب ديفيد"، والتي كان آخرها تصريحات جيمي كارتر الرئيس الأمريكي الأسبق.مسارعة الاحتلال لإبراز مثل هكذا تصريحات؛ يشير إلى ارتباكه وخشيته مما ينتظره من مصر على يد حاملي لواء التغيير، في محاولة لمواساة حاله مسبقا، وجس النبض بشكل عام. ما بني على باطل فهو باطل، وجميع الأنظمة الدكتاتورية مهما كانت مسمياتها هي باطلة، وتفتقد للشرعية، والأساس الذي بنيت عليه باطل، ولذلك لا بد من شرعية حقيقية لأي نظام وهي صناديق الاقتراع؛ ولكون الشعوب من الصعب أن تجمع على خطأ، وبالتالي يكون الاعتراف والتعامل مع دولة الاحتلال التي بنيت على باطل، هو خطأ وباطل أيضا، يجب سرعة تداركه لاحقا من قبل من ستفرزهم صناديق الاقتراع. يرى كتاب في دولة الاحتلال أن المرحلة القادمة تحمل على الأقل إعادة الاعتبار لمفهوم السلام ذاته، وهذا ما يُبرر ارتفاع الأصوات المصرية المنادية بإعادة النظر في "كامب ديفيد"، الذي غيب مصر عن الصدارة والتأثير لفترة طويلة. الكاتب العبري "عاموس هرئيل" يتساءل عن ما تبقى من معاهدة "كامب ديفيد"، وهو واقع يرهب قيادة دولة الاحتلال التي تفضل إبعاد أنظار الجمهور عنه. وفي نظره فإن خليط فتاك أنتجه الربيع العربي يفرغ "كامب ديفيد" من محتواه. عام 2012 سيحمل بجعبته كل ما هو سيئ للاحتلال؛ كون المتغيرات الدولية والإقليمية تتسارع بشكل مذهل، لا تقوى دولة الاحتلال على مواكبته وتجييره لصالحها، مهما روجت من فبركات، ونسجت في مخيلتها من قصص وأكاذيب،