"الاعتدال كلمة يحب عملاء الاستعمار استخدامها، فالمعتدلون.. هم كل أولئك الخائفين أو الذين يفكرون في الخيانة بشكل من الأشكال، أما الشعب فليس معتدلا على الإطلاق". قد يكون ذلك الوصف للمعتدلين الذي توصل له جيفارا عبر تجربته الثورية في الوصول إلى الحكم موضوعيا في ظل الربيع العربي؛ فالطريق للسلطة وسدة الحكم شاقة وعسيرة، ومليئة بالمغريات.. تحفها المخاطر والمؤامرات، تكشف عن معادن الرجال... والحركات، فإما أن يثبت "الثوري" على مبادئه فيوصف بالإرهابي الرجعي.. أو يتنازل عنها فيصل للحكم سريعا، وينضم إلى جوقة الأنظمة المعتدلة!!. والثورات في ربيعنا لم تكن إلا على أنظمة لطالما وصفت بالمعتدلة، فالنظام التونسي الهارب شكل نموذجا للاعتدال "العربي" في اتباعه لسياسة "تجفيف المنابع"- منابع ثقافة الأمة واتصالها بهويتها العقدية-، ومبارك المخلوع كان عراب الاعتدال وزعيمه عبر تاريخه المتخم بطقوس الاعتدال والقذافي باع وطنه وشحن أسلحته بطائرات للغرب ليلحق بركب المعتدلين متخليا عن شعاراته الكاذبة. الشعارات لم تسعف النظام السوري المعتدل، وإن تستر بممانعة كاذبة خاطئة، لم تسفر يوما عن استعادة أرض أو تهديد عدو محتل، حتى غدا انهيار النظام أمام الثورة "تهديدا وجوديا لإسرائيل وأمنها"!!، وقد شكل سلوك الأنظمة العربية نموذجا صارخا لعملاء الاستعمار أو" للمعتدلين"، الذين باعوا البلاد وأراقوا دماء العباد على مذبح مصطلحات مضللة كالاستقرار، والديمقراطية والحفاظ على موازين القوى وعلمانية الدولة، والانفتاح على الآخر، واحترام المعاهدات الدولية والالتزامات الأممية والقوانيين العالمية...مصطلحات يختبئ المعتدلون وراءها، فهي بضاعتهم الرائجة التي أخفت وراءها تبعية للمستعمر، وترسيخا لوجوده على أرضنا، واستماتة في تنفيذ خططه للمحافظة على مصالحه في عالمنا العربي والإسلامي، وللحيلولة دون نهضة الأمة ووحدتها، وهي ذات المصطلحات التي يطرحها بعض "المعتدلين في زمن الثورات" إما لتبرير تنازلاتهم المبدئية في طريقهم للوصول إلى سدة الحكم، أو لشرعنة عودة الأنظمة السابقة بلباس جديد.فالساحة في الربيع العربي لم تخل من معتدلين مردوا على الاعتدال من فلول الأنظمة المتهاوية.. وزارء سابقين وأعوانا وبلاطجة يتقافزون عبر المنابر الإعلامية والأروقة السياسية والسفارات الأجنبية والعواصم الغربية لامتطاء ثورات الشعوب وتركيعها تارة، ومطالبة غيرهم بالاعتدال تارة أخرى للحفاظ على مصالحهم الشخصية ومصالح أسيادهم المستعمرين التي باتت مهددة بثورة الشعوب وسعيها للتحرر واستعادة السيادة والأرض وتشوقها للانعتاق من التبعية للغرب. سعي جدي للتحرر وشوق للانعتاق من التبعية والتشرذم تخطه الأمة بدماء أبنائها في ميادين التحرير.. لم تتلقفه تلك الحركات التي أوصلتها الأمة عبر صناديق الاقتراع إلى مكان متقدم في السلطة ولم تقدره حق تقديره، فانطلقت كالسهم باتجاه الاعتدال. فالشعوب "ليست معتدلة على الإطلاق وما دامت تلك حال الشعوب فعلى تلك الحركات أن تتعظ!!، فإنها إن بدأت بالتخلي عن مبادئها ونزعت للاعتدال في سبيل تأمين وصول سلس ويسير للحكم، فإنها لا بد أن تشهد سقوطا مريعا، فالشعوب التي ثارت على أنظمة عميلة للاستعمار تحت ستار الاعتدال لم تعد تنطلي عليها ألاعيب "الخائفين أو من يفكرون بالخيانة"، وعبر سنوات من عمل المخلصين لأمتهم أصبحت الأمة تميز وبجدارة بين الاعتدال كخيانة، وبين التحرر والانعتاق والوحدة في كيان واحد كخيار وحيد لنهضتها وتحررها، وباتت الشعوب تملك من المقاييس ما يجعلها قادرة على التمييز وبسهولة بين "المعتدلين" والمخلصين للأمة. فحدود سايس بيكو، ومعاهدة كامب ديفيد، والقدس وتحرير الأرض المباركة، وتطبيق الشريعة، ومحاربة الفساد ومحاكمة الطغاة، وتحرير البلاد، وتوزيع الثروات كلها اختبارات بسيطة تجريها الشعوب، ليفشل فيها كل المعتدلين أو من يفكرون في الخيانة. اختبارات لن ينجح فيها إلا من يحمل مشروعا نهضويا ينبع من ثقافة الأمة وعقيدتها، مشروع يوحد الأمة ويفعل طاقات أبنائها ويعيد ثرواتها وأرضها، ويقدم للعالم نموذجا حضاريا للعدل والقيم الروحية والإنسانية متجلية في تطبيق الإسلام كمبدأ ونظام حياة أمام وحشية المادية الرأسمالية التي أوردت الإنسانية المهالك. وإلى أن تُفَعِّل الأمة مشروعها الحضاري سيسقط كل المعتدلين على الطريق، وستستمر الشعوب في ثورتها، فالسلطان للأمة... والأمة ليست معتدلة على الإطلاق!!.