منذ ستة عشر شهراً ونحن نسمع من القيادة الفلسطينية أنها لن تعود إلى المفاوضات مع "إسرائيل" إلا بعد أن توقف هذه ال"إسرائيل" استيطانها المجنون في الضفة الغربية، وأن توافق على مرجعية عملية لما يسمى "السلام". فوجئنا قبل أيام بأن لقاء سيعقد في عمان بين الجانبين برعاية اللجنة الرباعية الدولية التي ولدت ميّتة. خرج من القيادات الفلسطينية من يقول إن اللقاء ليس مفاوضات وإنما استكشاف آفاق وإمكانية استئناف المفاوضات. عقد اللقاء كما كان مقرراً، وخرج من محيط الوفد الفلسطيني من يقول إن الجانب "الإسرائيلي" وافق على تسلّم وثيقتين فلسطينيتين عن "الحدود والترتيبات الأمنية". وبما أن الجانب "الإسرائيلي" كان منذ رئاسة بنيامين نتنياهو حكومة الكيان يرفض تسلّم أي وثيقة فلسطينية، فإن اختراقاً عابراً لجدار الاحتلال والعنصرية قد تحقق. المهم أن كل هذا ليس مفاوضات. قيل بعد اللقاء إن الحديث والأجواء التي سادت خلال الاجتماع كانت إيجابية وتركزت على حل الدولتين، وإن الجانب الفلسطيني قدّم تصوراته عن قضيتي الحدود والأمن وتسلمها الجانب "الإسرائيلي" الذي وعد بأنه سيقوم بدراستها خلال الأيام المقبلة ويقدم تصوراً مقابلاً. أيضاً هذه ليست مفاوضات. قيل أيضاً إن الجانب "الإسرائيلي" استعرض سلسلة من النقاط التي تعدّها "إسرائيل" مصيرية في أي تسوية مع الفلسطينيين، وإنه سيعرض في وثيقته للقاء المقبل الموقف "الإسرائيلي" من الحدود والترتيبات الأمنية رداً على الوثيقة الفلسطينية. وقيل إن لقاء الطرفين كان جاداً وناقش القضايا على محمل الجد. أحدهم قال بالحرف "أطلقنا مبادرة جادة تستهدف إطلاق مفاوضات بين الجانبين تناقش جميع قضايا الحل النهائي". إذا كانت هذه ليست مفاوضات فماذا يمكن أن تكون؟! هناك في الساحة الفلسطينية من لا يكل ولا يمل من الدوران في دائرة المفاوضات المفرغة التي لم تحقق أية نتيجة إيجابية مهما كانت صغيرة، لكنّها بالمقابل منحت الاحتلال الغطاء الذي يريده للاستمرار في مخططاته التهويدية في القدسالمحتلة ومشاريعه الاستيطانية في كل الضفة الغربية، وفي مواصلة حملات القتل والاعتقال وقمع الأسرى المنسيين خلف القضبان. هذا فضلاً عن حاجة الاحتلال دائماً إلى المفاوضات لكي يوحي للعالم بأن هناك عملية سلام، الأمر الذي يتيح له الاختراق ونسج العلاقات مع الدول التي لا تجد حرجاً ما دام أصحاب الشأن يفاوضون. عودة هذه اللقاءات، حتى لا ينزعج أحد من تسميتها مفاوضات، في وقت يشهد مخططات استيطانية يومية ومشاريع تهويد متسارعة في القدس، وبعد عناد فلسطيني استمر ستة عشر شهراً، يطرح العديد من علامات الاستفهام. إذا كان السلوك "الإسرائيلي" الذي استوجب وقف التفاوض، لم يتغيّر إلا باتجاه التصعيد والتكريس، فإن موافقة الجانب الفلسطيني على استئناف اللقاءات تعني أن الموقف الفلسطيني هو الذي تغيّر. التفسير الوحيد، أن هناك في الجانب الفلسطيني من يريد القول إن المصالحة الفلسطينية التي تم وضع الأساس الإجرائي لها ستتم على الأساس السياسي الذي تمثّله القيادة الفلسطينية المتنفّذة، وبهذا يكون إخراج المصالحة على اعتبار أن حركة "حماس" قد التحقت بمشروع أوسلو السياسي، وهناك العديد من التصريحات الصادرة عن "حماس" ممّا يصب في هذا الاتجاه. لم تكن المفاوضات طوال عشرين عاماً مجدية لأن "إسرائيل" ليست مستعدة لتقديم أي شيء، ولماذا تقدّم ما دامت تأخذ كل شيء من دون أن تدفع أي ثمن؟ لكن الأخطر في هذا النهج هو أنه يميّع الحالة ويحوّلها من صراع على الأرض لأجل الحرية والاستقلال، إلى "خلاف لا يفسد للودّ قضيّة". وإذا كانت المصالحة ستتم على هذا الأساس، فيا لنعمة الانقسام!.