عندما دخل ثوار ليبيون مبنى جهاز الاستخبارات الليبية بعد سقوط عاصمة بلادهم طرابلس في أغسطس الماضي عثروا بداخله على وثائق أظهرت تعاونا وثيقا ربط وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي ايه" والاستخبارات الخارجية البريطانية "إم آي 6" بمخابرات نظام العقيد معمر القذافي.تتعلق بعض الوثائق ببرنامج الترحيل السري الذي أقره الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن. ويتمثل هذا البرنامج في إرسال أجهزة الاستخبارات الأمريكية المشتبه بتورطهم في الإرهاب إلى دول أخرى لإخضاعهم للاستجواب هناك، وهو برنامج تعرض لانتقادات من قبل المنظمات الحقوقية نظرا لاحتمال تعرض المحتجزين للتعذيب في تلك الدول. من بين المتضررين من برنامج الترحيل السري عبد الحكيم بلحاج، رئيس المجلس العسكري في طرابلس، والذي رفع دعوى قضائية على الحكومة البريطانية متهما إياها بتسليمه إلى نظام القذافي عام 2004. يقول بلحاج إنه هاجر من طرابلس إلى العاصمة الصينية بكين قبل أن ينتقل إلى لندن، لكن تم ترحيله من أحد المطارات البريطانية إلى العاصمة الماليزية في عملية مشتركة بين "إم آي 6" ونظيرتها الأمريكية ثم إلى تايلاند حيث احتجز في معتقل أمريكي سري قبل أن يرحل إلى ليبيا حيث أمضى ستة أعوام في سجن بو سليم حيث تعرض للتعذيب حسبما قال. سبانا مالك، محامية بلحاج في بريطانيا، قالت في تصريحات لبي بي سي إن لديها "أدلة دامغة" على تورط الاستخبارات البريطانية الخارجية في تسليم بلحاج للاستخبارات الليبية عندما كان معارضا للقذافي. وأكدت مالك أن من بين هذه الأدلة رسالة منسوبة الى مارك ألن، الذي كان مسؤولا عن جهاز مكافحة الارهاب في الاستخبارات البريطانية، يشكر فيها الليبيين على تعاونهم في استجواب عبد الحكيم بلحاج .وأضافت مالك أن الهدف من وراء القضية هو الحصول على اعتذار رسمي بريطاني لبلحاج. وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قد قرر اواخر العام الماضي إنشاء لجنة مستقلة يرأسها القاضي المتقاعد بيتر جيبسون للتحقيق في مزاعم تورط مسئولين في جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية في برنامج الترحيل السري. لكن لم يبدأ التحقيق رسميا بعد، ويقول القاضي جيبسون على الموقع الالكتروني الخاص باللجنة إن عملية جمع الوثائق والمستندات والأدلة ستستغرق وقتا طويلا.إلا أن أعضاءا في البرلمان البريطاني يقولون ان لجنة جيبسون شكلية لانها لم تمنح صلاحيات واسعة. وصرح جيرمي كوربن، النائب عن حزب العمال المعارض، لبي بي سي إن هذه اللجنة لن تكون فاعلة "لأنه على سبيل المثال لا يحق لممثلي الضحايا استجواب الشهود، كما أنه لا يحق للجنة الحصول على أي أدلة من دول أجنبية كالولايات المتحدة أو دول أوربية متورطة في برنامج الترحيل السري." ومن اللافت للانتباه أن اللجنة الخاصة التي شكلها الاتحاد الاوروبي عام 2006 للتحقيق في هذا البرنامج الأمريكي المثير للجدل عثرت على أدلة تفيد بأن أكثر من ألف رحلة جوية قامت بها "السي آي إيه" توقفت في دول أوروبية من بينها بريطانيا.