كانت ساعات فجر اليوم تمضي، ورافاييل نادال كان لا يزال ينعم بساعات قليلة من النوم في مكان قريب من مسرح الانتصار. كان يفعل ذلك دون أن يتجنب بدء الكلام عن المقارنة، 16 لقبا ضد عشرة ألقاب، الأرقام تؤكد أن الفرصة باتت متاحة الآن أمامه للدخول بقوة في سباق المنافسة على لقب اللاعب الأفضل في التاريخ. كانت باريس تهتز تحت وقع عاصفة كانت تمنح مدينة النور شكلا مغايرا، رغم أن المصنف الأول في عالم التنس وأصدقاؤه لم يبتلوا جراء المطر حيث كانوا محميين بشكل جيد داخل "لارك"، وهو مطعم وحانة وناد شهير في أغلى مناطق العاصمة الفرنسية. كان للبذخ ما يبرره، لأن فوز نادال أمس الأحد على السويسري روجيه فيدرر في نهائي بطولة رولان جاروس جعله يقطع خطوات عملاقة، من بينها معادلة ألقاب السويدي بيورن بورج الستة في رولان جاروس. لكن الفائدة الكبرى كانت غير ذلك، فبعد أن رفع الأسباني رصيده من الألقاب الكبرى إلى الرقم عشرة، بات يتأخر عن السويسري روجيه فيدرر بستة ألقاب فقط، الذي كان رقمه (16) يبدو حتى وقت قريب صعبا على التحطيم. في كل مرة يسئل فيها الأسطورة رود لافر كان يؤكد أنه يفضل المقارنة بين "عصور للتنس"، لأنه من المستحيل تحديد من الأفضل على مر العصور. بل إنه قال في مرة لأحد الصحفيين ألح في هذا الأمر "بالتأكيد أنت لا تتذكر بيل تيلدن". كانت تلك طريقة مهذبة للتذكير بألقاب تيلدن العشرة في بطولات الجراند سلام - الرقم الذي عادله نادال أمس - كما أنها طريقة متواضعة لأنه هو لافر - الفائز بجميع بطولات الجراند سلام الأربع في نفس العام مرتين - من يراه الكثيرون كأفضل لاعب في التاريخ. لكن فيدرر ونادال يمكن المقارنة بينهما، لأنهما ينتميان إلى نفس الحقبة ولأن اسميهما بات عنوانا لمنافسة هي الأشهر خلال العقود الأخيرة. فلم يسبق لأي من نجوم الثمانينيات والتسعينيات - بورج وجون ماكينرو وجيمي كونورز وإيفان ليندل وأندريه أجاسي وبيت سامبراس - أن واجه أي منهم الآخر ثماني مرات في المباريات النهائية للبطولات الأربع الكبرى. وقال نادال "لا أخطط لأن أكون اللاعب الأفضل في التاريخ... لكن لا يوجد سبب يجعلني أخدع نفسي. بعشرة ألقاب لا بد أن تكون واحدا من أفراد هذه المجموعة من صفوة اللاعبين". ولا يفتأ نادال يذكر أنه يعتبر فيدرر اللاعب الأفضل في التاريخ، لكنه لا يغفل تمكنه من الفوز على السويسري في ست من المباريات الثماني النهائية التي جمعت بينهما في البطولات الكبرى، أو أنه فاز عليه 17 مرة من المباريات ال25 التي جمعت بينهما حتى الآن. فهو يقر بأن لذلك مدلوله بالتأكيد. ويقول "إن ذلك يعني أنني ألعب جيدا، يعني بالتأكيد أن الأمور تمضي معي على نحو طيب أمامه، لكن ذلك لا يلغي في وجهة نظري شيئا من رأيي" بأن فيدرر هو الأفضل على الإطلاق. وحصد فيدرر 16 لقبا في البطولات الكبرى، ولعب 23 مباراة نهائية فيها عبر تاريخه، الرقم الذي لم يتمكن أي لاعب آخر من بلوغه حتى الآن في تاريخ اللعبة. لذا ربما لا يحب نادال أن يقارن أحد بينه وبين السويسري. لذلك يتولى مسألة المقارنة آخرون، مثل الأمريكي المعتزل جيم كوريير صاحب لقبين في رولان جاروس على سبيل المثال. يقول المصنف الأول السابق "الآن لديه عشرة ألقاب، أليس كذلك؟ السؤال هو إذا ما كانت لياقته البدنية ستعينه على الاستمرار، لكن نادال أمامه بالتأكيد فرصة لمعادلة ألقاب فيدرر ال16 والتفوق عليها". ويرى الإكوادوري أندريس جوميز بطل رولان جاروس عام 1990: "أمور كثيرة قد تتغير في ويمبلدون، حيث سيكون فيدرر هو المرشح الأقوى". لكن مشكلة السويسري أنه لا يفوز على الأسباني في نهائي إحدى البطولات الكبرى منذ ويمبلدون عام 2007. بل إن والد فيدرر بنفسه يؤكد أن ابنه يتفوق أكثر أمام الصربي نوفاك ديوكوفيتش. ويقول روبرت فيدرر في تصريحات له: "أعتقد أن ابني لعب يوم الجمعة أمام ديوكوفيتش مباراته الأفضل خلال وقت طويل للغاية... لكن ديوكوفيتش لاعب مختلف تماما. فكراته تأتي مباشرة ومستقيمة، إنه يختلف تماما عن نادال". قبل نحو عام ونصف العام كان فيدرر يملك 16 لقبا مقابل ستة لنادال. الفارق قل بشكل كبير، لكن السويسري الذي يوشك على إتمام عامه الثلاثين يقول إنه لا يشغل باله بإمكانية أن يسبقه منافسه الذي أكمل قبل يومين عامه الخامس والعشرين. ويقول "من يهتم أين نحن الآن؟ المهم هو أين وصلت عندما يكون في غير إمكانك أن تحقق المزيد، هناك حيث يجب أن تفخر بما حققته. إنني سعيد من أجله، فعشرة ألقاب جراند سلام كثيرة. هو يعرف ذلك وأنا أعرفه، والجميع كذلك".