اكد الدكتور صهيب بن حسن عبدالغفار رئيس جمعية القرآن الكريم بلندن ان مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية تفتح لهؤلاء القراء الوافدين من كل اطراف العالم مجالاً يتسابقون فيه في تلاوة كلام رب العالمين بأداء حسن، وترتيل خاشع، مع مراعاة قواعد التجويد، فيبرز خاملهم ويعلو ذكرهم، وقال ان وزارة الشؤون الإسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد قد اجادت عندما اضافت الى الترتيل زاوية التفسير، فإن التلاوة تقتضي ان يكون التالي فاهما لمعاني القرآن، متدبراً لما فيه من الدرر والجواهر، ويعرف تأويله الحق، وينكر ما هو الزائغ، فإن الأمة في حاجة الى علماء وفقهاء متضلعين في العلم والفهم، عاملين بالكتاب والسنة، والداعين اليهما على نور وبصيرة . وابرز الدكتور صهيب - في تصريح له عن المسابقة - ان هذه المسابقات التي بدأتها المملكة قبل ثلاثين عاماً، قد قطعت شوطا كبيرا شب فيها الطفل، وشاخ فيها الشاب، وانها بحق تركت اثاراً بعيدة المدى في نفوس هذه الأمة، شبابها وشيوخها ورجالها ونسائها، مبيناً ان تعلم القرآن وتعليمه امر كان سائداً في هذه الأمة منذ ان ابتعثت، وقد اعتنى المسلمون من غبار ازمانهم بإنشاء الكتاتيب والمدارس لتعليم القرآن، واجادة قراءته، حتى انهم في عصور الزوال والانحطاط لم يتركوا صلتهم بكتاب الله تعالى، غير ان الأمة لاحظت انه لم يكن هناك - على مستوي الحكومات - من يهتم بتدريس القرآن والسنة والعلوم الإسلامية بصفة عامة، فلذلك انصرف الاذكياء من طلبة العلم الى تعلم العلوم الكونية، ولم يقبل على العلوم الشرعية الا القليل منهم، حيث لم يكن هناك داع يدعوهم الى تعلمها الا الوازع الديني . ولاحظ ان مسابقة الملك عبدالعزيز اسهمت في حفز الناشئة والشباب نحو التوجه الى كتاب الله قراءة ودرساً وفهماً قد جاء، وبدأت الأمة تشعر، وخاصة الاقليات التي تعيش في دول غير مسلمة، بان هناك من يهتم بامرها وامر دينها، وهناك من يكرم العلم والعلماء، وبالاخص حاملي كتاب الله، وهذا مما جعلهم يعتزون بالارث الذي يحملونه، والذي يخلفونه لمن يأتي بعدهم . واوضح الدكتور صهيب ان هذه المسابقة ساهمت في خلق جيل من الحفاظ الذين اعتنوا بكتاب الله حق اعتناء، ونقلوا هذا العلم الى من تتلمذ على ايديهم حتى يعدوهم لهذه المهمة التي هي من اشرف المهمات، وقال : ويا حبذا لو سعت الوزارة في عقد مسابقات على مستوى الأقاليم ايضا، فمرة في شرق اسيا، واخرى في جنوبها، فإن آسيا قارة واسعة شاسعة، ومرة في اوروبا، واخرى في امريكا، وكذلك فيما تنأى من الديار، ثم تختار الوزارة احسن القراء واجودهم ليجتمعوا في رحاب بيت الله، فيتم اعزازهم وتكريمهم باحسن طريق وباقدس مقام . . ولهذا مما يجعل غير المسلمين - وخاصة الدهماء منهم - يحضرون الحفلات التي تقام لقراءة القرآن، فيطلعون على شيء نادر خفي عليهم منذ ان خلقهم الله، فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين . واشار فضيلته الى ان التسابق اذا كان في خير ومكرمة فهو شيء محمود، واما اذا كان في شيء من حطام الدنيا فهو امر مذموم، ذكر الله تعالى الاول فقال : " سابقوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض اعدت للذين آمنوا بالله ورسله " ، وقال في الثاني : " الهاكم التكاثر حتي زرتم المقابر " ، والتكاثر لا يكون الا بالتسابق في حصول الكثير من المال والاولاد، ولا يكون مذموماً، الا اذا اصبح اداة الهاء عن ذكر الله، لقوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون " ، مشيرا الى ان الله تعالى قد فتح ابواباً كثيرة لعباده للتسابق الى الخيرات، ومن اعظمها باب التعامل مع كتاب الله، فالمسلم عليه عدة حقوق تجاه القرآن، وهي الإيمان به اولاً، وتلاوته بالترتيل والتجويد ثانياً، وفهم معانيه والتدبر في مضامينه ثالثاً، والعمل به طول حياته رابعاً، والدعوة اليه خامساً . وشدد الدكتور صهيب على ضرورة تلاوة القرآن مع الترتيل التجويد، قال تعالى : " الذين اتيانهم الكتاب يتلونه حق تلاوته اولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون " ، وقال بخصوص قراءته بالترتيب : " يا ايها المزمل ٭ قم الليل الا قليلا ٭ نصفه او انقص منه قليلا ٭ او زد عليه ورتل القرآن ترتيلا " ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اول من يتلو القرآن على مسامع اصحابه، فيأخذون عنه لفظاً واداءً، ثم يتلونه فيتسابقون في تلاوته باجادة تامة، حتى قال صلى الله عليه وسلم لاحد اصحابه وهو ابي بن كعب : " اوتيت مزماراً من مزامير آل داود " ، وكان يحب ان يستمع الى تلاوته، وهو الذي انزل عليه هذا القرآن . وابان فضيلته - في سياق تصريحه ان كثيرا من الاشخاص دخلوا هذا الدين بمجرد سماعهم للقرآن من قارئ حسن الصوت، لان الاستماع الى تلاوة القرآن بمجرده قد يفتح اذاناً صما، وقلوباً غلفا، فقد مدح الله قساوسة نصارى استمعوا الى القرآن حتى ذرفت دموعهم، قال تعالى : " لتجدن اقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وانهم لا يستكبرون ٭ واذا سمعوا ما انزل الى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين " ، وما دامت هذه آثار تلاوة القرآن على مسامع الناس، فليكن المتسابقون يتسابقون فيها، وليكن حظ كل من ساهم في اخراج هذا العمل الجليل حسب جهده الذي بذل فيه، فهذا هو الوالد الذي يبعث بولده الى معلم القرآن ليعمر حياته بالروح الحقيقية، فيجتمع الولد مع معلمه، فصار كلاهما مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " . وفي ختام تصريحه، قال الدكتور صهيب عبدالغفار : ان الوزارة برعايتها لهذا العمل الجليل وتكفلها لمئات بل آلاف القراء والمجودين، وذلك بتسهيل سرفهم الى المملكة، واقامتهم في مكةالمكرمة، وتكريمهم بالجوائز والعطاء قامت بخدمة جبارة تجاه الاسلام والمسلمين، بل قامت بواجبها خير قيام تجاه الدين الحنيف واقامته، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، داعيا الله تعالى ان يجزل المثوبة لكل من وقف وراءها من اصحاب السمو الامراء والمعالي الوزراء، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله ورعاه ووفقه لكل خير وجنبه كل شر - انه سميع قريب مجيب .