محافظة الوجه تاريخ عريق دوّنه الرحالة المسلمون والمستشرقون الذين مرّوا بها على مرّ العصور والأزمان وسجلوا انطباعاتهم عنها , وتناولوها بعدة معان ، فمرة تأتي بمعنى منهل الوادي أي مكان تواجد المياه فيه ، ومما يؤكد هذا القول وجود الماء على سطح الأرض عند مكان يسمى قلعة الزريب ، وكان هذا المنهل أحد المحطات الرئيسية على طريق الحج في العصرين العباسي والفاطمي ، وبعد عام 667ه أصبح مصدراً مصوناً للماء ، وتأخذ معنى قلة الماء في بعض السنين وغزارته ، وتأتي بمعنى وجه الإنسان كما جاء في المعاجم ، وأخيراً نستخلص مما قيل عن الوجه وعن أسباب تسميتها وجود ارتباط وثيق بين سبب تسميتها بالوجه ومرادفها اللغوي الذي يأتي بمعنى الوادي ذو الماء القليل ، وهذا ما يطابق واقع الوجه قديماً . ومن هؤلاء الرحالة المسلمين الذين مرّوا بالوجه من يسميها بالوش أو الوشن كالتامودي المغربي فيدغم الجيم بالهاء فيقلب الحرفين شيناً مشددة وهي لغة أهل مصر ، فقد ورد هذا الاسم في الرحلات المغربية منذ عهد إبن عبدالسلام فما بعده فتصبح الوش بدلاً من الوجه ، ومنهم من يسمي الوجه بالوشاشه كما في الحملة التي أعدتها الدولة العثمانية عام 1082ه . ومن الجانب الجغرافي يعرف أن أكثر الأسماء الجغرافية العربية لها دلالات مختلفة ، فمنها ما يدل على لون أو نبات أو إنسان أو اتجاه ، فالوجه إسم يدل على الاتجاه ، مثل الوجه القبلي ( الاتجاه القبلي ) ، فالعموم أن تسمية الوجه جاءت من وجه الحجاز أي اتجاه نحو الحجاز ، أو أنه وجه الحجاز أي أول نقطة من أرضه يراها وينزل بها القادم براً وبحراً من إفريقيا والمغرب ، وكانت إحدى محطات القوافل المواجهة لقلعة الأزلم حسب محطات الحج المصري في العهد العثماني لأن محطة الوجه تأتي بعد محطة الأزلم التي تقع بين الوجه وضباء . ومن الرحالة الذين كتبوا ودونوا تاريخ الوجه اليعقوبي عام 284ه ، والحربي عام 285ه ، والعذري الأندلسي عام 478ه ، والفهري عام 685ه ، والرشيدي الأندلسي عام 685ه ، والعبدلي عام 689ه ، والعمري عام 738ه ، والقرطبي عام 781ه ، والحافظ العسقلاني عام 824ه ، والمقريزي عام 845ه ، والجزيري عام 977ه ، والنهراوي عام 990ه ، والكبريتي عام 1039ه ، والبكري عام 1062ه ، وبدر الدين عام 1062ه ، والعياشي عام 1072ه ، والخياري عام 1081ه ، والزبادي عام 1163ه ، بالإضافة إلى إبن درع المغربي عام 1166ه ، والتاموري المغربي عام 1242ه ، ومحمد صادق باشا عام 1297ه ، والمخزومي عام 1306ه ، وإبراهيم رفعت عام 1318ه ، وعمر كحالة عام 1319ه ، ومحمد لبيب عام 1327ه ، وأيضاً الرحالة المستشرق الإنجليزي بورتون . كما تناولت العديد من الكتب التاريخية تاريخ الوجه وتحدثت عن عراقة هذه المدينة سواء من الكتّاب العرب أو الأجانب التي أسهمت بشكل كبير في تغطية جزء كبير من تاريخ مدينة الوجه الواعدة منها المعجم الوسيط الذي صدر عن مجمع اللغة العربية ، ومعجم البلدان / لياقوت الحموي ، وتحفة الأدباء وسلوة الغرباء / للخياري ، وسلوك المعرفة ودول الملوك / للمقريزي ، والدرر الفوائد المنظمة / للجزيري ، ورحلة الشتاء والصيف / للكبريتي ، والحقيقة والمجاز / للنابلسي ، ومسالك الأبصار في ممالك الأنصار / للعمري ،وأشهر رحلات الحج / للدرعي ، ومعجم ما استعجم من أسماء البلاد / للبكري ، والبلدان/ لليعقوبي ، ورحلة العياشي / للعياشي ، والمناسك وأماكن طرق الحج / لأبو اسحاق الحربي ، والمراج / لإبن قدامة ، وأحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم / للمقدسي ، ودليل الحاج / لمحمد صادق باشا ، ومرآة الحرمين / لابراهيم رفعت باشا ، ومرآة الحرمين / لأيوب صبري باشا ، والرحلة الحجازية / لمحمد لبيب البلتوني ، والأعمدة السبعة / للورانس العرب ، وأرض الأنبياء / لعبدالله فيلبي ، ورحلات شبه جزيرة العرب / لبوركهارت السويسري ، ورحلة عبر الجزيرة العريبة / لفورستر سادلير ، ورحلة داخل الجزيرة العربية / ليوليوس أويتنج ، وجغرافية شبه جزيرة العرب / لعمر كحالة ، والملامح الجغرافية لدروب الحجيج / لسيد عبدالحميد ، وشمال غرب المملكة .. بحوث التاريخ والآثار / للدكتور علي ابراهيم غبان ، والمفصل في تاريخ العرب / للدكتور جواد علي . والوجه تقع عند ما يعرف عند الباحثين بأرض مدين ، وكانت في عصور ما قبل الاسلام جزء من دولة الأنباط التي امتدت من الحجر ( مدائن صالح ) إلى الشام شمالاً ، وعرفت بميناء الحجر ، وشهدت الحملات الرومانية على الجزيرة العربية ، وعرف اسمها الحالي في عهد الخليفة العباسي أبو العباس السفاح سنة 135ه ، وزادت أهميتها في العصرين المملوكي والعثماني . وكانت مدينة الوجه إحدى مدن الحجاز والبوابة البحرية بالنسبة للقادمين من مصر وإفريقيا والمغرب بحراً من خلال مينائها المعروف ، وبراً من خلال قوافل الحجاج والتجارة ، وهذا ما أدى إلى ازدهارها من جميع النواحي الاستراتيجية والاقتصادية والتعليمية والحضارية بسبب ارتباطها ببقية المدن الحجازية وخاصة جدة ومكة المكرمةوالمدينةالمنورة مما جعل الوجه تمتلك خاصية متميزة انعكست على الجانب الحضاري مع بقية الجوانب الأخرى التي جعلها سباقة عن غيرها من مدن الحجاز بصفة خاصة والمملكة بصفة عامة . ومرت محافظة الوجه بومضات تاريخية كانت شاهدة على قدوم هذه المحافظة حيث تعد الأمارة سابقًا والمالية والجمارك والمحكمة الشرعية والبلدية والمحجر الصحي والشرطه والبريد واللاسلكي والتعليم من أقدم الإدارات التي أنشئت فيها في بداية العهد السعودي ، وبالنظر إلى مطار الوجه فهو يعد من أقدم المطارات على مستوى المملكة وشهد استقبال أوائل الطيارين السعوديين عام 1354ه حيث قامت هذه الإدارات الحكومية بدور كبير في تقدم الوجه حضارياً ، ولو أردنا استعراض تاريخ تأسيس الدوائر الحكومية بمحافظة الوجه فسوف نجد أن أكثر من عشرين دائرة حكومية أدت دوراً كبيراً وقد جاءت على النحو التالي : المحجر الصحي تأسس في عام 1283ه ، والمحكمة الشرعية عام 1296ه ، والتعليم العام عام 1333ه ، والبرق اللاسلكي عام 1334ه ، والمحافظة أو الأمارة سابقاً عام 1344ه ، والشرطة عام 1344ه ، والمالية وأمين الأموال عام 1344ه ، والجمارك "دائرة الرسوم" عام 1345ه ، وحرس الحدود " خفر السواحل سابقاً " عام 1345ه ، والمطار عام 1352ه ، والبريد عام 1353ه ، والأحوال المدنية والجوازات والجنسية عام 1360ه ، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عام 1370ه ، والصندوق الخيري عام 1383ه . وفي المجال البحري تم إنشاء أول فنار بحري ومرشد للسفن بميناء الوجه عام 1292ه ، وفي مجال البلديات تعد بلدية الوجه من أقدم البلديات بالمملكة فقد أنشئت عام 1334ه ، وعرفت الكهرباء الأهلية عام 1383ه . كما شهدت الوجه أول محطة تحلية لمياه البحر على مستوى المملكة عام 1388ه ، والهاتف عام 1385ه ، والسجن عام 1388ه ، والضمان الاجتماعي عام 1394ه ، والدفاع الدني 1392ه ، ومكتب العمل عام 1395ه ، والمرور عام 1396ه ، والرياضة عام 1396ه ، ومكافحة المخدرات عام 1396ه ، والهلال الأحمر عام 1402ه ، والمعهد الصناعي المهني عام 1404ه ، والمؤسسة العامة للتقاعد عام 1427ه ، والمياه عام 1425ه . وقد دوّن التاريخ زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام لمحافظة الوجه عام 1382ه . وتطل محافظة الوجه الواقعة في الجزء الشمالي الغربي للمملكة على ساحل البحر الأحمر ، تأخذك إلى أفق أرحب ، وتطير بك إلى عالم أجمل من التميّز والإبداع ، فميناء الوجه والبلدة القديمة وجهان لعملة واحدة وهما يقفان شاهدين على حضارة المدينة الواعدة ويحملان العراقة والأصالة ويسمحان بالتجدد دائماً . وتقع محافظة الوجه على خط عرض 13 26 شمالاً وخط طول 27 36 شرقا وتتبع منطقة تبوك إداريا ويتبعها أكثر من 100 مركز وهجرة وقرية . ومناخ الوجه معتدل في أغلب فترات العام وقد ميّزها مناخها بأن تكون مصيفاً هادئاً ورطباً حيث ترتفع نسبة الرطوبة في بعض الأحيان ، وتضاريسها عبارة عن هضبة يبلغ ارتفاعها 70 متراً عن سطح البحر ، ويوجد بها العديد من الأودية والجبال أشرها وادي الحمض ووادي المياه ووادي الزريب .