قرية " ذي عين " تحفة أثرية معمارية في جنوب المملكة العربية السعودية ترتفع عن سطح البحر 1985 مترا ، تتشكل من ( 59 ) بيتا من الحجارة وأشجار العرعر على تل من المرمر الأبيض بارتفاعات تبلغ أربعة أدوار ، فيما يميزها عن غيرها من القرى التراثية بمنطقة الباحة ترابط بيوتها عبر ممرات داخل البيوت نفسها حيث يستطيع الزائر أن يزور كل بيوت القرية دون أن يخرج منها . وقد سميت بذي عين نسبة إلى عينها الجارية بالمياه طيلة أيام العام لتغذي مزارعها العامرة بالموز والليمون والريحان والكادي . وفي زيارة لمراسل وكالة الأنباء السعودية لقرية ذي عين الأثرية التي تقع وسط جبال السروات الشاهقة في منتصف الطريق الذي يربط مدينة الباحة بمحافظة المخواة التهامية حيث الأجواء المعتدلة التي تبعث في النفس الدفء , يأخذك بداية ذلك المنظر الرائع للقرية وسط الروائح الزكية لمزارعها . وعند الوصول لأول بيوت القرية يلفتك ذلك التصميم الهندسي لبيوتها حيث تموج القوالب الحجرية بألوانها المختلفة لتظهر كم كانت يد من بناها سخية في منحها البهاء , فجميع حجارتها أخذت من نفس البيئة المحيطة بالقرية وتم سقفها بأشجار العرعر التي نقلت إليها من الغابات المجاورة . وعادة ما يتكون البيت في القرية من أربعة أداور خصص الدور الأرضي منها للمواشي فيما خصص الدور الثاني لتخزين الأمتعة والأدوات الزراعية والمحاصيل , أما الدورين الثالث والرابع فهما مخصصان لسكن العائلة . وتتميز تلك البيوت في أغلبها بالنقوش والزخارف والكتابات , وتضم معظم غرفها عمود يسمى " الزافر " وهو يوضع لحمل السقف , وقد زينت شرفاتها بأحجار المرو " الكوارتز " على شكل مثلثات متراصة , ويحيط بها بعض الحصون الدفاعية التي أنشأت قديماً لحمايتها من الغارات أو لأغراض المراقبة . وبالتجول في القرية عبر ممراتها العديدة التي تم اختيارها بعناية لتسهيل حركة المارة تجذبك تلك الروائح الزكية لمزارع القرية التي يعد من أهم محاصيلها الموز والليمون والنباتات العطرية مثل الكادي والريحان والشيح والبعيثران والبرك وغيرها إلى جانب الحبوب كالذرة والدخن . ويختلف موز " ذي عين " عن غيره بقصره وعرضه ونكهته الرائعة , فيما يصل سعر الكيلو الواحد منه إلى عشرة ريالات ويتراوح سعر عذق الكادي مع الريحان والبعيثران من العشرين إلى الخمسين ريالاً وخاصة في المواسم . ويوصف مناخ القرية بأنه حار صيفاً معتدل شتاءاً كونها في منطقة منخفضة تأتي ضمن الجزء الذي يسمى بمنطقة تهامة العليا من منطقة الباحة , وهي ترتفع عن مستوى سطح البحر بحوالي 1985متر تقريباً , وعادة ما تسقط الأمطار عليها بمعدلات كبيرة في فصل الصيف نظراً لوقوعها بين كتلة من الجبال ما يودي إلى تكثف الغيوم وهطول الأمطار الرعدية , فيما تكون أمطارها متوسطة في فصل الشتاء . ويضاف لها أيضاً تميزها بالبيئة الاجتماعية المتماسكة التي شكلتها القرية منذ القدم حيث نجد أن كل بيت تسكنه عائلة ممتدة من مجموعه من الإخوان يعيشون هم وأولادهم جميعاً تحت سقف واحد , ويتقاسمون هم وأهالي القرية مياه عينها الجارية وفق نظام تم إقراره من قبلهم وهم ملتزمون به حتى اليوم . وتشهد قرية ذي عين الأثرية في هذه الأيام العديد من الأعمال التأهيلية والتطويرية التي تشرف عليها الهيئة العامة للسياحة والآثار , حيث تضمنت الخطة التنفيذية لتطوير القرية ثلاث مراحل يستمر تنفيذها على مدار خمس سنوات تشمل إعداد الرؤية الإستراتيجية لتنمية القرية بشكل مستدام وهي المرحلة الأولى التي تضمنت تأهيل الممر الرئيس للقرية وإيجاد جلسات ومطلات على طول الممر وصولاً إلى شلال الماء إضافة إلى إعادة افتتاح مسجد القرية الأثري وتأهيل عدد من المباني لتكون المتحف الخاص بها. كما تضمنت المرحلة الأولى أيضاً إنشاء مركز للزوار ومحلات تجارية لأهالي القرية ومطعم ومحل تموينات غذائية ودورات مياه عامة إلى جانب تخصيص أمانة المنطقة لمبلغ أربعة ملايين ريال لإنشاء الحديقة الخاصة بالقرية وفق التصور المعد من قبل الهيئة . وقد تم في هذا الصدد تأسيس أول جمعية تعاونية على مستوى المملكة تعني بالمحافظة على التراث العمراني وإدارة الوجهات السياحية وسميت بجمعية قرية ذي عين التعاونية وكان ذلك في العام 1429ه , وتحمل هذه الجمعية جملة من الأهداف من أهمها المحافظة على أملاك أهالي القرية والحفاظ عليا واستثمارها وتسويقها سياحياً وكذا إعادة تأهيل المباني الأثرية بها واستثمارها لصالح الأهالي إلى جانب إيجاد فرص عمل لأبناء القرية والأسر المنتجة وتحقيق عوائد مالية مجزية لهم مع إحياء الحرف اليدوية والمنتجات الزراعية وتبني جميع المشاريع داخل القرية وفي محيطها.