قرية ذي عين الأثرية تسترد عافيتها استقطبت قرية ذي عين الأثرية بمنطقة الباحة خلال صيف هذا العام أعداداً كبيرة من الزوار والمصطافين في أول إطلالة للقرية منذ بدئ أعمال التأهيل والتطوير التي تشرف عليها الهيئة العامة للسياحة والآثار. وتعود الكثافة الكبيرة التي شهدتها القرية من الزوار نظراً لتاريخها الذي يعود إلى مئات السنين , وكونها مبنية بطريقة جاذبة حيث أن بيوت القرية البالغ عددها 59 بيتاً تقع على سفح تل من المرمر الأبيض وهي ذات ارتفاعات مختلفة تتراوح من دور واحد إلى أربعة أدوار يربطها عدد من الممرات التي تم اختيارها بعناية لتسهيل حركة المارة. ويكتمل عقد بيوت القرية بالمسجد الذي يقع في الجزء الأسفل منها حيث أن موقعه يتوسط القرية والمزارع التابعة لها التي تنتج الموز والكادي والليمون والريحان وتسقى طيلة أيام العام من العين التي منحها الله لأهل القرية وهي التي سميت باسمها القرية. وشهدت بيوت القرية الأثرية خلال الثلاثين سنة الماضية معاناة كبيرة من الإهمال والتخريب بسبب هجر أهلها لها وضعف ثقافة الزوار للقرية وتعديهم على تلك المباني إضافة إلى تأثير العوامل الطبيعية. ولم يكن أهالي القرية والمجتمع المحلي يستفيدون من تلك القرية سوى ما يحصله البعض منهم نتيجة بيعه لما ينتجه من مزرعته إلى أن تم البدء في تأسيس أول جمعية تعاونية على مستوى المملكة تعني بالمحافظة على التراث العمراني وإدارة الوجهات السياحية وسميت بجمعية قرية ذي عين التعاونية وكان ذلك في العام 1429ه. وتحمل هذه الجمعية جملة من الأهداف تسعى لتحقيقها من أهمها المحافظة على أملاك أهالي القرية والحفاظ على القرية واستثمارها وتسويقها سياحياً وإدارة وتشغيل استثماراتها وكذا إعادة تأهيل المباني الأثرية واستثمارها لصالح الأهالي إلى جانب إيجاد فرص عمل لأبناء القرية والأسر المنتجة وتحقيق عوائد مالية مجزية لملاك القرية وإحياء الحرف اليدوية والمنتجات الزراعية وتبني جميع المشاريع داخل القرية وفي محيطها. وبالتزامن مع ذلك بدء جهاز تنمية السياحة بمنطقة الباحة تنفيذ خطة تأهيل وتطوير القرية التي تضمنت ثلاث مراحل يستمر تنفيذها على مدار خمس سنوات تشمل إعداد الرؤية الإستراتيجية لتنمية القرية بشكل مستدام وهي المرحلة الأولى حيث تضمنت تأهيل الممر الرئيس للقرية وإيجاد جلسات ومطلات على طول الممر وصولاً إلى شلال الماء إضافة إلى إعادة افتتاح مسجد القرية الأثري وتأهيل عدد من المباني لتكون المتحف الخاص بها. كما تضمنت المرحلة الأولى أيضاً إنشاء مركز للزوار ومحلات تجارية لأهالي القرية ودورات مياه عامة إلى جانب تخصيص أمانة المنطقة لمبلغ أربعة ملايين ريال لإنشاء الحديقة الخاصة بالقرية وفق التصور المعد من قبل الجهاز. ومع مطلع العام الحالي 1431ه تم البدء بالتشغيل التجريبي للقرية من قبل جمعية قرية ذي عين التعاونية في خطوه تهدف إلى بدء تدريب أعضاء الجمعية والمجتمع المحلي للتعامل مع الوضع الجديد لقريتهم كمورد اقتصادي يحقق دخل مادي ويوفر العديد من فرص العمل لأبناء القرية. ولتعزيز ذلك قام جهاز تنمية السياحة بمنطقة الباحة بالبدء في تنفيذ برنامج تدريبي منوع لأفراد المجتمع المحلي بقرية ذي عين بدأها بدورة في التعامل مع الزوار وسيتبعها العديد من الدورات الأخرى. وفي هذا الجانب عد المدير التنفيذي لجهاز تنمية السياحة بالمنطقة الدكتور محمد بن تركي مله مشروع تأهيل قرية ذي عين نموذجاً يحتذى على المستوى الوطني من حيث فكرة التأهيل مروراً بتأسيس الجمعية التعاونية لأهالي القرية وانتهاء ببرامج التدريب المختلفة التي تنفذها الهيئة. وأكد أن الهيئة لا تنظر إلى مدخول هذه الاستثمارات على الهيئة إنما تنظر إليها على أنها فرصة اقتصادية لخلق العديد من فرص العمل وجلب استثمارات جديدة تعود بالنفع على المجتمع المحلي وتوفر استثمارات إضافية لبلدية محافظة المخواة نظير ما تقدمة من خدمات للمشروع وأهل القرية. الجدير بالذكر ان قرية ذي عين الأثرية تقع في منحدر طريق عقبة الملك فهد الذي يربط سراة منطقة الباحة بتهامتها على مسافة 20 كيلو متر من مدينة الباحة وهي قرية مبنية من الحجارة مسقوفة بأشجار العرعر التي نقلت أليها من الغابات المجاورة , زينت شرفاتها بأحجار المرو / الكوارتز / على شكل مثلثات متراصة ويوجد بها بعض الحصون الدفاعية التي أنشأت قديماً لحمايتها من الغارات أو لأغراض المراقبة. ويوصف مناخها بأنه حار صيفاً معتدل شتاءاً كونها في منطقة منخفضة ضمن الجزء الذي يسمى بمنطقة تهامة العليا من منطقة الباحة وهي ترتفع عن مستوى سطح البحر بحوالي 1985متر تقريباً وتكون الإمطار فيها غزيرة في فصل الصيف حيث تسقط بمعدل كبير بسبب موقعها بين كتلة من الجبال ما يودي إلى تكثف الغيوم وهطول الإمطار الرعدية فيما يكون هطول الأمطار متوسط على القرية في فصل الشتاء. وما يميز قرية ذي عين الأثرية عن غيرها من القرى التراثية المتناثرة في منطقة الباحة التوليفة التي تحتويها من مباني تراثية ومدرجات زراعية يتم تغذيتها عبر عين الماء التي تجري على مدار العام ، وهي التي يتقاسمها المزارعون وفق نظام تم إقراره من قبلهم وهم ملتزمون به حتى اليوم.