أقسم لكم أني اكتب اليوم من داخل النص..وليس من خارجه كممثل بارع يتقنه ..ولكن اكتبه برسم الحدود الجغرافية..التي يخطئ أحيانا فيها معلمنا في أثناء الدرس..فيضع البحر الأحمر من جهة الجنوب .. وبحر الخليج من جهة الغرب..وبيوتنا القديمة لا حدود لها إلا طوب لبن وأسقف من الخشب الجاوي..وبعض من السعف الممزوج بالطين. ففي بداية صيف دراسي ..عاد احمد كعادته من المدرسة، يحمل على ظهره حقيبة مثقلة بالمناهج الدراسية.. وفي وجهه عينان غاضبتان .احدهما بكرهه للمدرسة.. والأخرى بقسوة معلمه ..وفي بطنه معِدة فارغة إلا من أظافره.. رفس الباب بقدمه ودخل دون خلع حذائه. أما أمه فلم تلاحظ من هذا كله سوى الأوساخ الظاهرة على ثوبه وبعض العرق على جبينه . سأله والده: لماذا ثوبك متسخ؟ الم اقل لك لا تلعب بفناء المدرسة إلا بملابسك الرياضية .. لكنه أحس أن في داخل ابنه قلقاً وخوفاً غير طبيعي وضع أحمد حقيبته على الطاولة.. ثم أخرج منها كتاب الجغرافيا. وقال .هل هذه المادة أهم من الرياضيات والعلوم وكتب الدين ..وبكى ثم قال: "اليوم، وفيما كان المعلم يشرح لنا عن حدودنا الجغرافية رفعت يدي مستأذناً للذهاب إلى الحمام. فبغضب وتهجم واضح على ملامح المعلم قائلاً: يا أحمد، هل التبول أهمّ من حدودنا الجغرافية؟ ابتسم أحمد بابتسامة برئيه وقال: عندي أن التبول الآن أهم من الجغرافيا والحدود وكل الاتجاهات الأربعة والله حتى..... لم يبتسم المعلم، وضع من يده القلم فلوماستر ليضع مكانه عصا غليظة، وليضع خمسة ضربات في يد أحمد ..ويقول لك المعلم، يا أمي، أنه في هذه المرة قد اكتفى بضربي إنذاراً أول، أما في المرة المقبلة فسيضطر إلى طردي من المدرسة..والغريب في الأمر أن ذلك المعلم تختلف شخصيته في المساء حيث لا يخرج من بيته إلا بعد أن يضع كيلو "جل" على شعره ويحلق ذقنه عشر مرات بكافة الاتجاهات الجغرافية..ويلبس بنطلونه الجينز والبلوزة الفسفورية..وليس هذا فقط بل يرش نصف زجاجة العطر التي أهدته إياها "..؟؟؟.. " وهو يهيم بالتسكع الليلي ما بين المقاهي والأسواق والشوارع الضيقة. ومنذ ذلك الحوار.. وأم أحمد تحضر لأطفالها كل صباح، سندويشة الجبن السائل بالزعتر والزيت..وزمزمية المياه، وقارورة صغيرة بلاستيك فارغة ليبولوا فيها إن ألحّت الحاجة.. لئلا يطردوهم من المدرسة ويمسي أطفالها مشردين بلا مستقبل. [email protected]