الصراع الممتد في آسيا الوسطى والقوقاز ليس وليد اليوم، وإنما تمتد وقائعه لأكثر من خمسة قرون. وإذا كان اللاعبون الدوليون على المسرح قد تغيرت مسمياتهم اليوم، فإن بواعث الصراع تظل كما هي دون تغيير - الثروة والموقع الإستراتيجي - وهما جناحا القوة لأي إمبراطورية تتطمح في التمدد والهيمنة. ما الذي يجري هناك طوال هذه الحقبة الضاربة في بطون التاريخ والجغرافيا معا؟ في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي (التاسع الهجري) كانت المنطقة (آسيا الوسطى – القوقاز – حوض نهر الفولجا) محلا لصراع طويل بين القوى الكبرى المهيمنة في ذلك الوقت، وهي الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية القيصرية. فقد شهدت فاتحة القرن الخامس عشر الميلادي بروز الإمبراطورية القيصرية على الساحة الدولية - منطلقة من "دوقية موسكو" - في نفس الوقت الذي شهدت فيه الساحة على الجانب الآخر بروز الإمبراطورية العثمانية التي ترامت أطرافها إلى بقاع عديدة في العالم. وبين بروز الإمبراطورية القيصرية في القرن الخامس عشر، وسقوط الإمبراطورية السوفيتية في نهايات القرن العشرين شهدت المنطقة متغيرات عديدة. فقد تغيرت القوى المهيمنة على المسرح الدولي، وتغيرت المفاهيم وتغيرت طبيعة الصراع وطرق إدارته؛ كما تغيرت جغرافية المنطقة فأصبحت تحمل أسماء متعددة لمناطق ودول جديدة. فقد انفك الاتحاد السوفييتي إلى مناطق متعددة، مثل آسيا الوسطى والقوقاز ودول الكومنولث ودول أخرى؛ وأصبح طبيعيا أن تتوزع الثروات بين دول متعددة كل منها لها وجهتها وعلاقاتها الدولية، وأصبحت المنطقة مسرحا واسعا وساخنا لسباق قوى دولية عديدة.