ولم يكتف «ملك الإنسانية» بأن يتكفل فقط بإجراء عملية فصل التوائم السيامية فقط بل تجاوز إلى ما هو ابعد من ذلك وهو رعايتهم بعد العملية وتوفير الرعاية الصحية الكاملة من علاجات أو عمليات تصحيحية مستقبلية او تأهيل طبي وعلاج طبيعي جراء العملية ولعل آخرها تكفله بعملية فصل التوأم السياميين الاردنيين امجد ومحمد اللذين امر (حفظه الله) باجراء عملية فصلهما على نفقته الخاصة. وقام الفريق الطبي السعودي بقيادة وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة والذي يعد من اشهر الجراحين في العالم اضافة الى جراحين متعددي التخصصات الطبية الدقيقة باجراء العملية خلال سبع ساعات وانتهت قبل مدتها ب 20 دقيقة عبر ست مراحل وتمت بمدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني بالرياض وبفضل من الله تحققت العملية بنجاح تام. لقد كانت لانسانية خادم الحرمين الشريفين (حفظه الله) مواقف نبيلة مع اطفال شاء الله ان يولدوا بعيوب خلقية شديدة التعقيد، وظروف معيشية متدنية، وفي عالم اهمل قيم الروح، واغرق في الماديات، وغارت فيه مشاعر الرحمة، ووئد العطف، ورغم مضاضة هذه الظروف التي يعيشها العلام من حولنا تسطع في سماء مملكتنا افعال خير وبر وانسانية لتكشف الغمة، وتعيد الأمل والضياء الى النفوس المرهقة، وسط هذه التراكمات المريرة يرتفع اسم القائد الانسان، والانسان القائد عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله ليترجم معاني مترعة بالخير، ومفعمة بالمحبة، ومشرقة بروح التآخي والتآزر وخدمة الناس، يستلهم أمد الله في عمره مواقفه ومبادراته من مبادئ وقيم ديننا الحنيف الذي يؤكد خطابه وتعاليمه على هذه الشعارات الانسانية الرفيعة والمخلصة دون اعتبار للون أو جنس او طبقة، ودون انتماء لعقيدة أو مذهب أو طائفة أو جغرافيا، قال الله تعالى: (.... ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعا) المائدة الآية (32). الوقفة الأولى: مع التوأم السعودي الثالث في نهايات العقد الاخير من القرن الماضي بدأت ثمار النهضة الصحية في المملكة تتكاثر، وتؤتي أكلها على مساحة واسعة الانتشار، وتتعاظم سمعتها اقليميا وعربيا ودوليا بعد ان تأهل كثير من ابنائها في اختصاصات طبية دقيقة، وبفضل هذا التأهيل العالي والتدريب المستمر، وتراكم الخبرة والتجارب السابقة تشكل فريق طبي تمكن بفضل الله ثم برعاية قيادتنا الحكيمة من اجراء رابع عملية فصل لتوأم سيامي بالمملكة. ففي هذه العملية تم فصل توأم سعودي بعد ان اثبتت الفحوصات المخبرية انهما ملتصقان بالصدر والبطن والحوض، مع وجود اشتراك بينهما في الكبد، واشتراك آخر في الامعاء الدقيقة والقولون والجهازين البولي والتناسلي.. وفي ليلة العملية تلقى الفريق الطبي توجيها من خادم الحرمين الشريفين بالاعتماد على الله سبحانه وتعالى، والدعاء قبل العملية لأنه جل وعلا لا يخيب رجاء من أمَّل فيه والتجأ اليه. وبعد ان وفق الله وهيأ لهم النجاح في هذه العملية كان أول اتصال تلقاه معالي الدكتور عبدالعزيز الربيعة من مقامه الكريم حفظه الله ليطمئن على حالة التوأم وسلامته، وما أن اطمأن عليهما حتى امره بنقل تهانيه لوالديهما ثم لزملائي اعضاء الفريق الطبي، ولم يكتف بذلك، بل استقبل التوأم بعد شفائهما بمكتبه مهنئا ومباركا لوالديهما ومذكرا لهما بوجوب شكر الله الذي انعم على طفليهما بالصحة والعافية.. انها انسانية قائد عظيم. الوقفة الثانية: مع التوأم المصري الثاني قبل ان يغادر التوأم المصري الثاني غرفة العناية المركزة بعد نجاح العملية الجراحية، قرر خادم الحرمين الشريفين الرجل الانسان زيارتهما في المستشفى من منطلق ذاتي ودافع انساني بحت، اراد حفظه الله الاطمئنان بنفسه على وضعهما، وحين دخل عليهما انحنى وقبَّل يد احداهما في حنان وعطف بالغ مثلما يقبل الوالد اطفاله، وكان فرحه بشفائهما كبيرا وباديا على وجهه وتمت العملية بنجاح بالغ. الوقفة الثالثة: مع التوأم البولندي تتجسد هذه الوقفة في زيارته الكريمة حفظه الله للتوأم البولندي بعد يومين من نجاح عملية فصلهما، وكانت لهذه الزيارة معان ودلالات انسانية واجتماعية ودينية عميقة بعيدة الغور، فعندما كان واقفا بجانب سرير احدى الصغيرتين مدت يدها لتصافحه وكأن لسان حالها ينطق ويقول: شكرا ايها الانسان شكرا ايها القائد، شكرا ايها الوالد، شكرا شكرا شكرا.. لم تصدك حدود الدول ولا حواجز القارات، ولم يمنعك اختلاف الأجناس أو الألوان أو اللغات أو الأديان أو الاعراف أو الجغرافيا من بسط يد العون والمساعدة لانقاذ طفلة بريئة محتاجة قدمت من بلد بعيد ومدينة بعيدة يجهلها اهلوك وشعبك، وربما جهلها اهل قارتها انفسهم. لم يبرح خادم الحرمين الشريفين مكانه، بل رفع يديه بعد مصافحة الطفلة الى السماء شاكرا ربه على نعمه وآلائه وما اكرمه به من قدرة على مساعدة المحتاجين. إن موقفه هذا اغدق الله عليه نعمه يقف مثالا حيا على خُلق الانسان المسلم الذي حرك الملايين في بولندا لتتأمل في انسانية هذا البلد وقيمه ممثلة في قائده، ولتتبين هذا القدر من المساحة والخلق العظيم الذي يتميز به هذا الرجل، ولتعيد النظر في رؤيتها وتقييمها للدين الاسلامي مستشفة نبل قيمه، ومتأملة سماحته وعالميته.. لقد طبع هذا الموقف الانساني في أذهانهم صورة مشرقة عن الاسلام وأهله بعدما شوهها وهدمها الاعلام الغربي، ودمغ معتنقيه بالجهل والضلال. الوقفة الرابعة: مع التوأم العراقي نظرة أبوية حانية كانت تبدو على وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وهو يطالع الطفلين العراقيين بعد نقلهما مباشرة الى العناية المركزة، احس والدهما بأنه يشاركهما عاطفة الابوة بكل تداعياتها، لاحظ جميع الحضور تلك النظرة المشفقة والودودة والرحيمة المقترنة بالدعاء والضراعة الى الله عز وجل بأن يحفظ هذا التوأم، ويكتب لهما حياة كريمة في مستقبلهما خالية من المنغصات، وان يصبحا عضوين فاعلين ونافعين في مجتمعهما.. كان لسانه رعاه الله يلهج بالثناء على الله جل وعلا الذي وفق الفريق الطبي في أداء مهمته بنجاح، وبالدعاء الطويل الى الصغيرين وكأنه يحاول عبر هذا الدعاء استنهاض مجتمعهما لتأمين حياتهما بعد ان من الله عليهما بنعمة الفصل.. لقد بدا واضحا ان مساحة اهتمامه تتجاوز حدود الوطن ولا تقتصر على السعوديين فقط، بل تكاد تستوعب الأمة الاسلامية قاطبة، نظرة انسانية نبيلة احاطت هذه الاسرة الضعيفة القادمة من ساحة حرب ضروس لا يخبو لها أوار، وكأنه حفظه الله يواسيها ويتمنى لها ان تكون في مأمن مما يجري على الساحة العراقية. الوقفة الخامسة: مع التوأم الكاميروني استطاعت الأحاسيس والمشاعر الانسانية الفياضة ان تكسر حاجز اللغة بين خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ووالدي التوأم الكاميروني، كانت ابتسامته في وجه الطفلين ابلغ من كل المفردات والعبارات، وحملت معاني ومدلولات تكاد تعجز عنها كل اللغات، وشكَّلت ترجمة صادقة لأحاسيس وانسانية هذا القائد.. لقد أطل الفرح على وجهه الكريم بعد نجاح العملية واطمئنانه الى ان التوأم سيخرج الى الحياة من جديد بآمال وطموحات مستقلة لكل منهما، زارهما في العناية المركزة، وتحدث الى والديهما رغم انهما لا ينطقان إلا بلغتهما المحلية، كانت سعادته حفظه الله لا توصف هو يهنئهما على نجاح العملية، فإشراق الحياة في جسد اي انسان او مجتمع او أمة، يملأ قلبه بالفرح والسعادة، فإنسانيته غير محكومة بجغرافية أو لون أو مذهب، وإنما تسع الجميع في كل انحاء الدنيا، ولعل هذا سر من أسرار استقرار المملكة ورفاهيتها وأمنها وأمانها من البلايا والمحن والحروب، فهي بإذن الله في حفظ الله ورعايته، فمن كان في عون أخيه كان الله في عونه. الوقفة السادسة: استقباله للتوائم وأسرهم بمزرعته لا يقف اهمامه حفظه الله بالتوائم السيامية على مرحلة الفصل والعلاج والزيارة على اسرة جناح الاطفال بعد العمليات، ولا على توجيهه بمتابعة حالاتهم حتى بعد عودتهم لبلدانهم، بل اعتاد على استقبالهم في مزرعته الخاصة مع ذويهم، وتهنئتهم بما منَّ الله عليهم من نعمة الصحة والعافية، واشراق الحياة في نفوسهم ونفوس آبائهم بعدما غلب عليها القلق وسيطرت عليها الكآبة والمعاناة، ويشرفهم بالتقاط صور تذكارية معهم ويقدم لهم بعض الهدايا، ويمثل ذلك أروع الصور الانسانية التي تصوغ ذاتيته المتوهجة بقيم الاسلام وتعاليمه ومبادئه، كما يكشف عن تواضعه وحبه الشديد للأطفال. انها انسانية ملك لم يبخل في تسخير كافة الامكانيات لاعادة البسمة الى شفاه السياميين واسرهم، انها انسانية لا تعرف للحواجز معنى، انها انسانية قلما توجد في هذا الزمان، انها انسانية قائد وملك.