أصبح بامكان القادمين الى دمشق التعرف الى تراث وتاريخ المدينة بعد افتتاح مجمع " القرية الشامية " السياحي الذي يحوي نماذج من احياء المدينة القديمة وبعض معالمها التاريخية ومهنها التراثية، التي تلعب جميعها دورا مزدوجا : التعريف بدمشق القديمة، وتشجيع الاستثمار فيها . واكثر العناوين التي يقصدها زوار هذا المجمع الذي يبعد 40 كلم جنوب غرب دمشق والذي افتتح رسميا منتصف اغسطس الجاري، هو حي " باب الحارة " التي صورت فيه الأجزاء الثلاثة للمسلسل السوري ذائع الصيت، حيث يمر الزائر بنماذج الحارات الدمشقية القديمة، الضيقة والكثيرة التفرع التي ظهرت في المسلسل . وبمجرد عبوره " باب الحارة " سيكون الزائر امام " فرن ابو بشير " ومحل " الحلاق ابو عصام " وسيلتف قليلا ليصل الى " مضافة الزعيم " .ابطال هذه الاماكن يتواجدون فيها لاستقبال الزوار .هم ليسوا الابطال الحقيقيين الذين ظهروا في المسلسل طبعا، لكنهم نماذج عنهم . في مكان الحلاق ابو عصام يستقبل عدنان الزائرين او الزبائن .فهو في الاصل حلاق، كان لديه محل في دمشق قبل ان ينتقل ليزاول عمله في " القرية " .لكن عدنان، الذي لا يعرف عن نفسه امام الزوار باسمه الحقيقي، يبدو غير مرتاح للتعامل مع ادوات الحلاقة القديمة اليدوية . ويقول وهو يمسح بيده جبينه المتعرق متأففا من الحر الشديد خصوصا وانه يرتدي اللباس التراثي السميك " هنا كل العدة قديمة ويدوية، وهذا متعب لمن اعتاد على استخدام الادوات الكهربائية الحديثة " مضيفا " بالتاكيد لا اريد ان اعود حلاقا على الطراز القديم " . وعلى مقربة من الساحة، يجلس " الزعيم " في مضافته مستقبلا ومرحبا بالجميع .يبدو صالح المحمود نسخة اكثر شبابا، واقل قسوة وتقطيبا من الممثل عبد الرحمن آل رشي الذي ظهر في هذا الدور .له نفس الشارب الطويل المعقوف، لكنه يؤكد انه ليس " لضرورات العمل " بل " شارب موروث ابا عن جد " . وعلى من يريد زيارة " باب الحارة " ان يدفع 100 ليرة سورية ( دولاران تقريبا ) للدخول، اضافة الى تذكرة الدخول الى المجمع التي هي في نفس السعر .وهو سعر متواضع بالنسبة للكثيرين من السياح العرب . لكن تعدد التذاكر التي يجب على الزوار شراؤها لمشاهدة اماكن اخرى من المدينة القديمة، مثل متحف التراث وقصر العظم او سوق الحميدية، يربك بعض الزائرين السوريين . ويقول فراس، الشاب الثلاثيني، وهو يدخن " نرجيلته " مع ثلاثة اصدقاء " لقد حضرنا من دمشق لنجرب شيئا جديدا " ، ويتساءل بامتعاض " بصراحة، المشكلة انهم ( ادارة المجمع ) يريدون بطاقة دخول في كل مرة تزور فيها مكانا مختلفا، لماذا لا يكتفون ببطاقة الدخول؟ " . وعن رأيه بالمشروع وما رآه يقول انه يتحفظ على الاجابة " حتى ادفع فاتورة " احد مطاعم المجمع الذي يحوي ايضا العابا مائية والعابا للاطفال واسطبلا للخيول . لكن مسؤول المطاعم في المجمع يقول ان " سعر تذكرة الدخول يقتطع من الفاتورة اذا ارتدت احد المطاعم التي تقدم اسعارا مدروسة " ، اما عن البطاقات الاخرى " فلا احد يدخلك الى السينما مجانا " على حد تعبيره . والى جانب الحارة، يحوي المجمع نسخة مصغرة من سوق الحميدية مع محال مفتوحة للاستثمار والتجارة، ومن حمام السوق ونسخة عصرية من " مدرج بصرى " الاثري تتسع لثلاثة آلاف شخص . وهناك ايضا " متحف التراث " الذي يضم تماثيل شمع لرجال ونساء بالازياء الدمشقية القديمة وهم يعملون في مهن تراثية كانت معروفة في الشام، مثل " المصور الارمني غارو " او " محل بوظة بكداش " ، غير ان الزائر الاجنبي لن يجد شروحات تساعده على التعرف الى هذه المهن وتاريخ اصحابها . وبجوار " المتحف " توجد نسخة مصغرة لقصر العظم في دمشق، مع غرف تحتوي على بعض اثاث غرف نوم الرؤساء السوريين السابقين . ويقول نعيم الجراج صاحب هذا المجمع الذي يعمل في مهنة المحاماة التي لا يزال يزاولها، ان طموحه ان " يجهز استوديوهات تصوير مغلقة، لتصور فيها المسلسلات السورية التي تتجه الى المغرب لوجود ستوديوهات ضخمة فيها " . المجمع وارضه كانا بالاساس من املاك احد ابناء بدر الدين الشلاح التاجر السوري المعروف قبل ان يشتريهما الجراج ليكمل ما كان موجودا من اماكن تصوير ويضيف المطاعم والنسخ المعمارية . ويقول المالك الجديد ان فكرة هذه القرية " تبلورت من دمج المرفق السياحي بالشق الثقافي والاعلامي " في اشارة الى اماكن التراث والتصوير فيها . ويمتد المجمع على مساحة 15000 متر مربع، والمطاعم فيه تتسع " لاكثر من عشرة آلاف شخص " ، وهو يوفر " 1200 وظيفة ثابتة اضافة الى العمال الموسميين " ، مع معدل وسطي للزوار " يصل الى ثلاثة آلاف زائر " يوميا وفقا لجراج الذي يريده اشبه " باطار جيد يقدم صورة التراث " ، موضحا ان القيمة المادية للمجمع تصل الى 40 مليون دولار .