يواصل الدفاع المدني إقامة بعض التحصينات المؤقتة لدرء أي خطر محتمل من سيول جديدة، قد تنتقل من الجبال، وتصل إلى حي قويزة في شرقي جدة، ومن الإجراءات الحالية في هذا الصدد ما وقفت عليه "البلاد" ظهيرة أمس، في وادي قوس شرقي قويزة، حيث يتم الآن إقامة عقم ترابي بارتفاع قليل.. إلى ذلك ما زالت معدات وآليات الدفاع المدني تواصل سحب المياه من بحيرة حي الصواعد في شرق جدة، في محاولة مضنية لتجفيفها، من خلال سحبها بالوايتات بالتعاون مع أمانة جدة.. وهنا تقرير ميداني مصور لجولتنا في عدة نقاط من الأحياء المنكوبة بسيول الثامن من ذي الحجة المنصرم. وادي قوس للوهلة الأولى يبدو "وادي قوس" شرقي حي قويزة، وقد راح يتمدد في كبرياء مهول من تخوم "الحرازات" وحتى أطراف البنايات والمناطق العمرانية لحي قويزة والصواعد والبستان.. وفي صبيحة أمس كنت أتخذ مكاناً مرتفعاً، بعد أن ارتقيت تلة في طرف حي البستان، تشرف على الوادي الكبير، ومن تلك النقطة بدأ يترآى لي الوادي المتمدد، بلونه الشاحب، ورماله البيضاء وشجيراته القليلة جداً، وظهر الوادي العتيد، كما لو كان قد خرج من حرب طاحنة، فكل ناحية منه يمكن لها أن تتحدث عن "سيول الأربعاء الأسود" التي دكت الوادي الوديع، وحولته إلى مطحنة، يمكن للمشاهد أن يرى آثارها بوضوح، حيث خدّت السيول أخاديد عظيمة فوق جسده، كما لو أنك مررت أمشاط من الحديد على جسد آدمي، وظهرت الأخشاب البالية التي حملتها السيول فوق صفحة الوادي، إلى جانب المخلفات الكرتونية والبلاستيكية والحديدية، وهي إما ما زالت متناثرة في جنبات الوادي، أوعالقة وسط شجيراته، أو متناثرة في حفره وأخاديده، وبدأ المشهد العام صورة شديدة الوضوح لحالة كارثية عبرت الوادي، وبدلت الكثير من طبوغرافيته وملامحه، وتركته شاحباً كما لو كان يحتضر!! السد الترابي وظهر في وسط الوادي عقم ترابي حديث النشأة، يواصل الدفاع المدني حاليا إتمامه، في محاولة عاجلة للسباق مع الزمن، وفي صورة استباقية للحيلولة دون أن تدك الوادي من جديد، أية سيول أخرى، قد تندلق من جبال جدةالشرقية، فتتخذ من الوادي المنهك، قنطرة لها للوصول إلى حي قويزة، وما جاوره من أحياء أخرى، وحتى لا يتكرر الحدث الكارثي الذي هزّ جدة، المدينة الحالمة، وأغرق نصفها الشرقي، وتسبب في القتل الجماعي لعشرات المواطنين والسكان غرقاً، تحت زحف سيول مهولة، امتلأت بها ضفاف الوادي الواسع، ثم فاضت عنه، لتزحف في عنفوان هائل وتسحق الاحياء السكنية، والبشر والمركبات والمحال التجارية. آراء المواطنين واستطلعت آراء عدد من المواطنين، والذين جاءت ردود أفعالهم بين المتحفظ على هذا الإجراء "السد الترابي" وبين المؤيد والفرح به، إلى اولئك الذين قالوا إنه لا يتعدى أن يكون مُسكّناً، أو أنه اجراء لا يكفي، ولن يكون صمام أمان أمام أية موجة كبيرة من السيول، التي لا أحد يدري متى يمكن أن تعود، وبأية كمية من الغزارة يمكن أن تصل لها، وكيف سيقوي عقم ترابي متواضع الكفاءة على ايقاف زحف سيل مثل سيل الأربعاء الأسود؟!! أحد المواطنين قال: شكراً، وألف شكر للجهات المختصة، ومنهم الدفاع المدني، الذي سجل حضوراً باهراً، وأن فكرة العقم الترابي إحدى المحاولات السريعة لاحتواء أي طارئ في الأيام والأسابيع القادمة، خصوصاً ونحن في فصل الشتاء، ومسألة عودة السيول ليست مستبعدة، ومثل هذا العقم له أيضا مردود نفسي على الناس، الذين تدهورت أعصابهم كثيراً من فاجعة السيول. اغلقوا فتحات الجبال ؟ أما المواطن الثاني الذي تحدث معي فقال: إن المطلوب هو متابعة المشكلة من أصلها، والوقوف على الجبال التي تم شقها، وكانت معابر سهلة نفذ منها السيل الأخير إلى أحياء جدةالشرقية، ونرى أن الأكثر جدوى، هو إغلاق كل المنافذ التي كانت مصدات طبيعية للسيول، ثم تم فتح شوارع عرضية واسعة وسطها، ومنها انطلق السيل إلى شرق جدة، وعلى الجهات الرسمية ترتيب أولويات احتياطها من سيول جدة، من خلال إعادة الأمور على ما كانت عليه قبل السنوات الأخيرة، وإغلاق كل منافذ السيل التي انطلق منها، ونعرفها ويعرفها الدفاع المدني، والمسؤولين!! حزمة من السدود وقال مواطن ثالث إن من المطلوب أن يواصل الدفاع المدني إقامة العديد من العقوم أو السدود والأخاديد العظيمة وسط وادي قوس، وذلك لأن عقم ترابي واحد، وبارتفاع بسيط لا يكفي، وكنت أتمنى أن يطلب الدفاع المدني مساندة أكبر من المدن الأخرى لإتمام مثل هذه الفكرة، وكذلك من الجيش، باعتبار أن الجميع أمام عمل كبير، يجب ألا يتكرر فيه الحدث الكارثي، وأن يكون هاجساً وهماً كبيراً للكل.. ولذلك فنحن سكان أحياء (قويزة والصواعد والبستان) نتطلع إلى إقامة حزمة من العقوم أو السدود الترابية، وسط وادي قوس، لتكون حواجز مهمة، يمكن لها أن توقف ولو بعض الشيء أي سيول قد تحدث في المستقبل القريب، مع الأمل الكبير لنا برؤية حلول جذرية للمشكلة. هاجس كبير وقبل أن أغادر المكان تأملت ما قاله لي المواطنون مع الصورة العامة لذلك الوادي المترامي الطول إلى حدود الأفق، الذي لم أستطع أن أتبين نهايته، ثم إلى ذلك الحجم الكبير كذلك لمساحته العرضية، وما يشكله في الجملة من هاجس نفسي ومادي للناس، الذين يسكنون في أحياء متاخمة له، وكنت حقيقة أسأل نفسي في تلك الساعة من ذلك الوقت الربيعي، جميل الطقس الذي تعيشه جدة هذه الأيام، كيف غفل المخططون والقائمون على الشأن البلدي في جدة عن وادي ضخم كهذا، يتمدد من الأفق البعيد عن عيني في تلك اللحظة، إلى أن يصل إلى حافة المباني والعمارات والمساكن.؟!! غياب الاستراتيجية وقلت لحظتها هل يعقل - بداهة - أن يتم (تضييع) نهاية الوادي، ومسح آثاره، وتغطية امتدادها بأحياء سكنية، يعيش فوقها الآف البنايات، وعدد من الأحياء السكنية، حتى ولو قال قائل إن الأمطار في جدة قليلة، والسيول لا تأتي إلا كل عقد من الزمان مثلاً. ذلك بالضبط ما كان يعتمل في تفكيري، وأنا لا أرى أي أثر على الإطلاق، لما يمكن أن نقول عنه إنه (الفكر الاستراتيجي) الذي كان يجب أن يتحلى به مسؤولو أية بلدية في أية قرية، فما بالك إذا كان الأمر مع جدة، ثاني مدينة سعودية ؟؟