على مدى 6 ساعات ونصف الساعة ونحن في طريقنا مجموعة من الإعلاميين إلى مدينة تولوز الفرنسية برفقة معالي المهندس خالد الملحم المدير العام للخطوط السعودية وعدد من كبار مساعديه ، كانت فرصة للحديث مع رجل عرفناه هامة فكر اقتصادي متميز.. وكان لابد أن أطرح عليه الكثير من الأسئلة على هامش الرحلة التي ستقودنا إلى معقل الطائرة الخاصة التي نستقلها من طراز 320 لاستلام دفعة جديدة من نفس النوع ومن أصل صفقة الطائرات التي ستنضم تباعاً لأسطول السعودية والتي يبلغ عددها 70 طائرة من شركة "إيرباص". وجدت أن الرجل الذي أخذ مقعده في كابينة قيادة الخطوط السعودية من الناحية الإدارية منذ ثلاث سنوات يؤمن بالدراسات والاستراتيجيات التي تخضع لعامل الوقت ومراحل التنفيذ في حين بدأ عمله وهو ينظر إلى الوضع القائم من جهة والمستقبل من الناحية الأخرى ، وهما مساران كما قال معاليه: لابد من التعامل معهما في وقت واحد وكل منهما يحتاج إلى أجندة وخطط مختلفة. الإصلاحات وإعادة الهيكلة وقد استطعنا والكلام للمهندس خالد الملحم أن نُعيد الهيكلة من الداخل وتحديث الإدارات والأقسام بما في ذلك المكاتب الداخلية والخارجية في الوقت الذي أعطينا فرصة الاستفادة من الشيك الذهبي لمن أمضوا فترة طويلة في الخدمة في حين استقطبنا قُدرات شبابية تم تدريبها لاستيعاب المرحلة القادمة. كما قمنا بتحسين مستوى الخدمة وضبط عملية الحجوزات بالشكل الذي يُتيح لراكب الانتظار الحصول على مقعد ويحد من الخسائر التي تنتج عن المقاعد الخالية نتيجة الحجوزات غير المنضبطة مع التحول إلى التذاكر الالكترونية التي كان لها تأثير جيد وملموس للمؤسسة وللعميل هذا بالإضافة إلى إنشاء أكبر ورشة صيانة متطورة تشمل كل الإمكانيات لخدمة الطائرات وتعاقدنا مع شركة متخصصة لتوفير قطع الغيار وهو ما يجعل خدمة الطائرة وتحريكها يتم في وقت سريع للعودة إلى الخدمة. حصل هذا وغيره من الإصلاحات الداخلية لمؤسسة الخطوط في الوقت كنا قد بدأنا خطة تطوير أسطول السعودية من خلال شراء طائرات جديدة تتفق مع حجم الطلب على المستوى الداخلي والخارجي وتحقق في الوقت نفسه عائداً مادياً أفضل ، خاصة أن أسعار تذاكر السعودية مازالت متدنية ومضى عليها زمن طويل مقابل ارتفاع تكاليف النقل. مفارقة الأسعار ثم فاجأني مدير عام الخطوط السعودية بمعلومة جديدة حين قال: هل تعلم أن الراكب من أبها إلى جدة يُكلفنا مبلغاً وقدره 1600 ريال نعم ألف وستمائة ريال وذلك عندما نقوم بحصر التكلفة بدءاً من الوقت المستقطع للموظفين في المطار وخدمات الشحن وطاقم الطائرة وجميع أفراد "الكرو" وقيمة الوقود وغيرها من الخدمات اللوجستية في الاقلاع والهبوط وذلك على سبيل المثال لبقية المحطات الداخلية ، وهو ما يجعل الخطوط السعودية تعتمد على إيرادات الرحلات الخارجية بشكل أكثر. الخلط بين المسؤوليات لكننا رغم كل الظروف - يقول الملحم - قادمون إلى مرحلة أكثر طموحاً في صناعة النقل ، لكننا بحاجة إلى أن يُدرك الجميع أننا لا نتحمل مسؤولية المعوقات التي تنتج عن أوضاع الحدمة الأرضية للطيران المدني ذلك لأن هناك خلط بين مسؤولية كل من الإدارتين والمؤستتين .. فأنا لست معنياً بانقطاع المياه داخل دوراتها في المطار ولكنني معني بتوفيرها على الطائرة.. كما أنني لست مسؤولاً عن تأخير رحلة في مطار الرياض نتيجة خلل كهربائي في سلَّم الصعود .. وبالتالي فإنني أتمنى أن تسير عملية التطوير في المطارات بشكل يُحقق المصلحة المشتركة لخدمة التطوير في المطارات بشكل يُحقق المصلحة المشتركة لخدمة النقل الجوي الذي نريده جميعاً. نحن لا نكترث للنقد ولكن !! ويُضيف مدير عام السعودية قائلاً: أنتم في الصحافة تستطيعون تناول خبر أو موقف حصل لإحدى الرحلات أو لأحد الركاب ، لكن بالمقابل أتمنى البحث عن الحقيقة عن الموضوع والأسباب التي أدت إلى ذلك.. مشيراً إلى أنه ليس ضد النقد ولكنه مع الحقيقة لتكون الصورى واضحة .. ونحن مع ممارسة الشفافية بعيداً عن الاجتهاد الخاطيء أو بناء المعلومة على أساس مكالمة هاتفية أو "سالفة مجلس" وقبل أن ينتهي مجلسي مع المهندس خالد الملحم استأذن للانتقال إلى كابينة القيادة للتحدُّث مع طاقم الطائرة بقيادة الكابتن سويِّد الغامدي وأعود أنا إلى مقعدي بجوار الدكتور حمود أبو طالب الذي كان يتأمل من النافذة مشاهد الأنهار والطبيعة الفرنسية ثم فاجأني بالسؤال: أَلا ترى أن الحياة في السماء أفضل منها مع أهل الأرض؟ إنه حمود خفيف الظل الذي يتماشى مع وزنه. لذا اخترت الجلوس جواره فقد أنساني حساب الوقت وتمنينا الاثنين أن نعيش في السماء. تولوز والآن نحن على مقْربة من مدينة تولوز ذات المواصفات الخاصة في طبيعتها ونمط حياة سكانها. حيث قام الوفد بجولة داخل المدينة في حين كنا قد أمضينا وقتاً طويلاً داخل الأتوبيس الذي كان يُقلنا نتجية وقوف خاطئ لسيارة في ذلك الشارع الضيق. إنهم مثلنا لديهم شوارع ضيقة وأُناس لا يحترمون قواعد المرور. وفي وسط مدينة تولوز يقع الميدان الرئيسي الذي يعج بالتجارة والمقاهي والناس.. في ذلك الميدان تنتقل عيناك من مشهد إلى آخر فهذا مبنى تراثي عتيق تبرز فيه حضارة الفرنسيين وهناك عازف على قارعة الطريق وآخر "جنتلمان" يسير ممسكاً بفتاة جميلة وآخر مجنون يهيم بين الناس إنهم ألوان وأجناس وطقوس حياة متناقضة جاءت من أصقاع الأرض. لكنها مدينة صناعية نشطة تتسابق مع تقنيات العصر في كل شيء كما أنها أي - تولوز تضم عدداً كبيراً من الطلاب الذين جاءوا من مختلف البُلدان لدارسة مختلف التخصصات العلمية ، وبالتالي يمكن تصنيفُها إلى أنها مدينة صناعية وعلمية متقدمة. صدمة الإيرباص في اليوم الثاني وبعد حديث شامل مع المهندس خالد الملحم في قاعة الفندق بدأ موعد الجولة إلى مصنع الإيرباص للطائرات. كان علينا أن نخضع لإجراءات الحواجز الأمنية عند المدخل لتبدأ الجولة على موقع يكفي لمدينة بكاملها يحوي الكثير من الأقسام والخدمات المساندة لصناعة الطائرات.. فهذه بداية التصنيع وذاك قسم إعداد جسم الطائر وآخر للكهرباء وصولاً إلى التجهيزات الكاملة من الطلاء والمقاعد ثم وضع شعار البلد الذي سوف يستلم الطائرة غير أن الصدمة كانت تلك الطائرة العملاقة من طراز 380 التي تتسع ل 800 راكب نعم ثمانمائة راكب يبلغ طول جناح منها (67) متراً .. إنها مُذهلة بكل المقاييس عرضاً وطولاً وارتفاعاً.. أما داخلها فهو قمة التَّرف والرَّفاهية وقد عرفنا في حينه أن مطاراتنا لا تستطيع استيعاب هذه الطائرة أي أننا لسنا من زبائنها على المدى القريب في حين قالوا لنا إن إمارة دبي اشترت واحدة منها وكذلك سنغافورة وبلدان أخرى لا يعنيني حصرها طالما أننا لسنا من زبائنها وفي أروقة المصنع دار الحديث من هنا وهناك بيننا في محاكمة للعقل العربي من خلال المفارقات ليكون جلْد الذات والإحباط هما أبرز نقاشاتنا أمام الصدمة لتنتهي الجولة بحفل قصير تم فيه تبادل الكلمات في مدة أقصر من مقدمة كلمة لواحدة من احتفالاتنا المملة والمملؤة بالحشو والإيقاعات في " زفَّة " الثرثرة !! ليبدأ الغداء بعد مراسم استلام الطائرة حيث كان أبرز ما في المائدة وصلة من ساق الخروف وهو ما يُعرف عندنا " بالموزة " ولا أعرف كم خروف ذبحوه حتى تنقسم ساقيه على اثنين .. ولا نعرف أين ذهبت بقية الذبيحة لكنهم الفرنسيون لم يتعلموا بعد ثقافة المفطح مثلنا !! تماماً مثل ما نجهل صناعة الإيرباص. وغداً نُكمل الطريق إلى باريس