قرأت في مذكرات طبيب عمل في أحد المستشفيات الريفية حكاية محزنة. جاءت أمٌ حامل عندها ولادة مبكِّرة جداً مصحوبة بنزيف ، و ولدت طفلاً لم تمكَّنه أجهزة جسمه من العيش بسبب عدم اكتمال نموها ، و لم تستطع إمكانيات المستشفى أن تقدم له ما يمكنه من الحياة ، فتوفي بعد ولادته بساعات، أمّا الأم فقد تمكّن الأطباء من إيقاف النزف لديها ، فصيلة دمها من النوع الريصى السالب (Rh -) بينما فصيلة دم الزوج من النوع الريصى الموجب (Rh+)، ولذا فإنها تحتاج إلى تعاطى جرعة دوائية تأخذها على شكل حقنة ، مهمة هذه الحقنة أن تمنع الجهاز المناعي لدى الزوجة من إنتاج مضادّات للعامل الريصي ، و بالتالى تؤمن للأحمال القادمة النجاة من الضرر . كتب طبيب وصفة بهذه الحقنة ليقوم الزوج بشرائها من الصيدلية الخارجية ، وأفهموه أن المسارعة بإعطاء الأم هذه الحقنة ضرورة. قام الزوج بإحضار الحقنة على وجه السرعة ، لكن الممرضة التى ستقوم باعطاء الحقنة للزوجة استسلمت للشيطان، قامت الممرضة بإعطاء الزوجة حقنة من سائل ملحي، ثم ذهبت الى الصيدلانى لتستعيد قيمة الحقنة. مرّ حوالى أسبوع ، عندها ذهب الزوج لشراء وصفة لدواء آخر ، تذكره الصيدلاني و استفسر منه عن سبب عدم إعطاء حقنة المناعة من العامل الريصي لزوجته، استغرب الزوج وعاد للمستشفى ، ليكتشف الحقيقة، و ليكتشف أنه بعد مرور أكثر من أسبوع لم يعد لمثل هذه الحقنة فاعلية ، والأسوأ أنه بعد فترة أُجري اختبار لدم الزوجة ، فوجد أن الدم يحتوي على مضادّات للعامل الريصي. و هذا يعنى أنه في أي حمل قادم ، على الأغلب ستكون فصيلة دم الجنين موجبة العامل الريصي كأبيه، و هنا تقوم مضادّات العامل الريصي بالمرور من الحامل لجنينها ، و يحدث اشتباك بين العامل الريصي للجنين و المضادّات القادمة من الأم ، وهكذا يحدث تحلل في دم الجنين ، يصاب الجنين بفقر دم شديد ، يتضخم قلبه بسبب استنزافه بالعمل مضاعفاً للتعامل مع هذه الحالة، وقد يتضخم كبد الطفل و طحاله لتوليد دم جديد ، و تحتشى فراغات البطن بالسوائل المتسربة من الدم ، و تنتهى المسألة بوفاة الجنين ، أو بتوليده قبل موعد الولادة رغم مخاطر ذلك بهدف إنقاذه و اتمام علاجه بعد الولادة ، وإذا كانت العائلة محظوظة ، يمكن أن يعالج الجنين قبل الولادة ، و ذلك بنقل دم له وهو داخل الرحم ، يعطى الدم من خلال الحبل السري ، و المراكز الطبية المؤهلة لعمل ذلك قليلة جداً حول العالم. (يتبع ..)