لعل من أهم الاحداث التي تقع في حياة المرأة الحمل والولادة، وهي عملية فسيولوجية (طبيعية) وتجربة جديدة ومثيرة محفوفة بكثير من الغموض والمخاطر التي لا يمكن التنبؤ بمعظمها وهذه المخاطر قد تعرض حياة الأم والجنين للخطر, ويصيب كثير من النساء فزع شديد لدى التفكير في تجربة الولادة وبخاصة الولادة بالمستشفيات بسبب قصص حالات كثيرة حملت بين طياتها مآسي وآلاما لكثير من الامهات ويرون ان الذهاب للمستشفيات في لحظة المخاض بلاء وكرب ومصيبة عظيمة من مصائب الدنيا، فهاجس العمليات شبح يقف بالمرصاد، وان ذهبت فهي مضطرة آسفة, لذا يفضل ويتمنى الكثير من الامهات الولادة المنزلية ناهيك عن الشعور بالامان العاطفي بجوار الام والاقارب في اللحظات العصيبة, وهنا تطرح الجزيرة موضوع الولادة المنزلية ومخاطرها: يتحدث في البداية الدكتور محمد فهاد الدوسري مدير مستشفى الولادة والاطفال بالدمام عن النظام الحديث لحماية صحة الام والجنين اثناء الحمل والولادة قائلا: إنشاء نظام متابعة الحمل بهدف التعرف مبكرا على الحالات التي تحتاج الى عناية خاصة اثناء الحمل بهدف المحافظة على صحة الام والجنين ولتحقيق هذا الهدف قد تحتاج الام الى علاج معين اثناء الحمل والولادة او الى تحديد موعد معين او الى طريقة معينة في مكان معين تتوفر فيه امكانات خاصة وغيرها من الاجراءات. ويرتبط بهذا النظام ان تتم الولادة في مستشفى مجهز تتوافر به امكانات متابعة نبض الجنين وبنك الدم وغرفة عمليات مستعدة على مدار الساعة حيث ان عملية الولادة بطبيعتها قد تتعرض لمشاكل طارئة ومستعجلة وغير متوقعة تتطلب التدخل السريع. هذا هو النظام والمفهوم الحديث لحماية صحة الام والجنين اثناء الحمل والولادة، وهو يتطلب تعاونا وتفاهما وثقة بين الام وعائلتها من ناحية وبين الفريق الطبي بجميع اعضائه من ناحية اخرى. وعلى الفريق الطبي محاولة نشر هذه الافكار بكل طرق الاتصال الممكنة، حيث ان الوعي العام بمفردات واهداف هذا النظام هو العامل الاساسي والحاسم لتفهم كثير من الاجراءات الطبية التي يتم اتخاذها قد تبدو غير مقبولة او مبررة للام وعائلتها كما ان التواصل بين الطرفين يؤدي الى تعريف الفريق الطبي على آمال ومتطلبات الام الحامل وعائلتها وامكانية تحقيق ذلك في حدود الاصول الطبية المتعارف عليها ودون المساس بسلامة الأم وجنينها. تطبيق البرنامج الصحي ويواصل د, الدوسري حديثه حول امكانية توفير الاجواء الاجتماعية حول الأم بالمستشفيات قائلا: لا يخفى ما توفره الولادة المنزلية من ميزة وجود الاقارب حولها وما يمثله ذلك من دعم معنوي واطمئنان كبيرين، وقد تم العمل على توفير هذا الجو العائلي في المستشفيات وذلك بتطبيق برنامج تثقيف صحي متكامل اثناء فترة الحمل يشمل الزوج والزوجة بهدف تعريفهما بالنواحي الطبية للحمل والولادة وكذلك التدخلات الطبية المحتملة واسبابها، بالاضافة الى توضيح الدور المتوقع من الزوج او المرافق وعدم عرقلته للعمل اثناء تواجده وغيرها من التفصيلات التي تتضمن في النهاية تواجد مرافق يوفر الدعم النفسي للام اثناء الولادة دون الاخلال بالهدف الاساسي وهو الرعاية الطبية اللازمة لضمان صحة الام والجنين. إنقاذ حياة الأم والجنين ويرد د, محمد الدوسري على اتهام الاطباء والمستشفيات بعدم الاكتراث والاستعجال في اجراء العمليات الجراحية والعمليات القيصرية قائلا: تحتم طبيعة عملية الولادة ومشاكلها التدخل الجراحي السريع في حالات الطوارئ وهو تدخل يجب ان يتم في حدود دقائق في بعض الاحيان لانقاذ حياة الام او الجنين، ويلقى هذا الوضع كثيرا من الانطباعات السلبية لدى الجمهور وأمثلة ذلك كثيرة منها: اجراء عمليات قيصرية دون لزوم وباستعجال فنلاحظ ان معدل الولادات القيصرية بالمملكة في السنوات الاخيرة ممتاز ويتماشى مع المعدلات العالمية في البلاد الاوروبية ان لم يكن في الواقع يقل عنها اذا اخذنا في الاعتبار ان نسبة العمليات القيصرية الى الولادة الطبيعية في امريكا لا يقل عن 20% وفي بريطانيا 15% فإن هذه المعدلات تنفي كل الاتهامات. ايضا انه قد يتم اجراء ولادة قيصرية لأم سبق لها ان ولدت بعد ولادة طبيعية عدة مرات مما يخلق انطباعا ان هناك خطأ ما، ولكن بمعرفة سبب التدخل الجراحي في مثل هذه الحالات يتبين انه كان في مكانه الصحيح وامثلة ذلك كثيرة منها: نزيف قبل الولادة سواء بسبب تقدم المشيمة او انفصالها المبكر. حالات ارتفاع ضغط الدم الشديد. وضع الجنين غير السليم الذي لا يسمح له بالمرور من الحوض العظمي للأم. زيادة حجم الجنين عن مرات الحمل السابقة. تعرض الجنين لنقص مفاجئ في الاكسجين اثناء الولادة. كذلك فان التدخل الطبي سواء بالادوية او الجراحة له مضاعفات محتملة، وهذه حقيقة معروفة في الممارسة الطبية على مستوى العالم وتتراوح هذه المضاعفات المحتملة بين البسيطة والخطيرة، وهي مسجلة بكل وضوح في جميع المراجع الطبية المعترف بها. ولا يمكن تصور مستشفى يعالج عددا كبيرا من المرضى بمختلف التدخلات الطبية دون حدوث مضاعفات في المستوى المتعارف عليه عالميا، وكذلك طريقة التعامل معها، ويتم فحص حالات المضاعفات ومراجعتها بصفة مستمرة بواسطة لجنة الوفيات والمضاعفات بالمستشفى. التثقيف الصحي عامل مهم ويشير د, الدوسري الى اهمية التثقيف في تصحيح نظرة المجتمع الخاطئة قائلا: ان التثقيف الصحي للجمهور عن طريق وسائل الاعلام المختلفة هو عامل مهم جدا لحث الجمهور على الاستفادة من الخدمات الصحية المتاحة وكذلك التعاون معها, كما ان التواصل بين الطبيب ومريضه وشرح التشخيص واهداف العلاج وطرقه هو اقصر وانجح الطرق لتحقيق الثقة بين الطرفين. أسباب عديدة تمنع الدخول لغرفة التوليد وهنا احب ان اشير الى شيء من التفصيل (والحديث ما يزال للدكتور الدوسري) وهو صعوبة دخول الزوج خاصة او المرافق من عموم الرجال لغرفة الولادة لعدة اسباب منها كون الفريق الطبي المشرف على عملية التوليد عبارة عن طاقم نسائي متكامل اضف الى ذلك ان الام تكون في وضع شبه عريانة من جميع الملابس, وبالنسبة لعموم النساء فليس لدينا مانع لكن الذي يعوق عملية الدخول هو ان ظروف عملية التوليد تحتاج الى توعية المرافق لهذه الظروف وان يكون عالما بالظروف التي قد تصاحب الحالة من اجراء عملية جراحية او قيصرية لا قدر الله، وألا يعترض المرافق للفريق الطبي في ذلك الموقف الذي ربما يحتاج التدخل السريع والفوري ويضيف قائلا: هناك نقطة اخرى الا وهي ان كثيرا من الناس ليس لديهم قدرة لكبح جوامح مشاعرهم وعواطفهم وتحمّل رؤية المواقف الحرجة في هذه الغرفة من صراخ الام وغيره بل قد يظن المرافق بان في الامر خطأ ربما وقع وقد يصل به الامر لان يتدخل لاشعوريا لذا يجب ان يكون المرافق عاملا مساعدا للفريق الطبي. مخاطر الولادة المنزلية وفي ضوء تعريف المفهوم الحديث لبرنامج المتابعة يؤكد د, على رحومة استشاري نساء وولادة بمستشفى الولادة والاطفال بالدمام على احتمال مخاطر تقع للام والجنين اثناء الولادة وبعدها وبخاصة حينما تكون الولادة بالمنزل اذ يقول: ان الولادة المنزلية تعرض الام والجنين الى مخاطر كثيرة معظمها غير متوقع ولا يمكن التعامل معها في المنزل، وامثلة ذلك كثيرة منها: الولادة المتعسرة نتيجة عدم التناسب بين حجم الجنين وحوض الام، وتعرض الجنين لنقص في الاكسجين مما قد يتسبب في الوفاة داخل الرحم، ومضاعفات غير متوقعة مثل اختناق الطفل بالسائل الامينوسي، كذلك صعوبة توليد الاكتاف بعد ولادة الرأس ونزيف بعد الولادة أو أثناء الولادة، واذا حدث هذا فلابد من اتخاذ اجراءات فورية وهذه الاجراءات تكون متوفرة فقط في المستشفيات بغض النظر عن خبرة الذين يشرفون على الولادة في البيت، ولهذه الاسباب لا يجب على اطباء النساء الخوض في الولادة المنزلية (كما نصحت به الكلية الملكية للنساء والتوليد). متى يمكن أن تكون الولادة المنزلية مسموحة؟ ولكن إن ابدت المرأة الحامل رغبتها في الولادة المنزلية ولديها من يشرف عليها فيجب الاستمرار في متابعة الحمل مع الطبيب، وان تأخذ في الاعتبار مستوى الخدمات الاسعافية المتوفرة في المنطقة التي تعيش فيها لاحتمال حدوث طوارئ اثناء الولادة المنزلية تستدعي نقل المريضة الى المستشفى، كما يجب ان ينقل الجنين فورا في الحالات غير المتوقعة اثناء الولادة. واضاف قائلا: البديل القريب للولادة المنزلية ان يوفر المستشفى صالات ولادة للولادات الطبيعية، يتوفر بها الجو العائلي وتقوم القابلة المتمرسة بالتوليد ويسمح بوجود مرافق من اقاربها اثناء الولادة حسب رغبتها. لمواجهة الطوارئ وحول هذا الموضوع ايضا تجيب د, رشيدة ابراهيم اخصائية نساء وولادة بمستشفى تداوي بالدمام قائلة: ان الام الحامل التي تضع مولودها للمرة الثانية او الثالثة وحتى الرابعة وسار حملها وولادتها السابقة سيرا طبيعيا ودون مضاعفات فيمكنها ان تضع طفلها بالمنزل تحت اشراف طبيب او قابلة متمرنة, ويمكن اتمام الولادة بالمنزل بعد ان يتم تهيئة الاجواء والاحتياطات اللازمة ومن الافضل حجز مكان بالمستشفى، بحيث لو طرأ لا قدر الله اي طارئ ممكن ان يحدث فيكون المستشفى على اتم الاستعداد. كذلك التأكد من خبرة القابلة واستعدادها لأي طارئ. مع ضمان أحد الاقارب او الصديقات ممن يقوم بمهام المنزل خلال ايام الولادة الاولى خاصة من قيام ورعاية الاطفال وعمل الوجبات الغذائية الخاصة بالام التي تحتاجها في هذه الايام. وتجهيزة كل متطلبات مهام عملية الولادة بالمنزل كالمطهرات والغيارات والملابس الخاصة بالام وكذلك المولود. كذلك تهيئة غرفة وتفريغها خصيصا للولادة بالمنزل، بحيث تكون صحية ونظيفة وجيدة التهوية وعدم اشعال موقد الفحم. حمى النفاس وتشير د, رشيدة الى ان الولادة بالمنزل المعد النظيف تجنب السيدة الام وطفلها خطر انتقال العدوى بين المرضى بالمستشفيات، كما حذرت من حمى النفاس حيث تقول: في هذا الاطار ننبه الى الحذر من حدوث حمى النفاس التي تصيب السيدة الحامل بعد ولادتها مباشرة ووقوع مضاعفات خطيرة اذا تمت سرعة التشخيص والمضادات الحيوية الفعالة في مثل هذه الاوقات مع اهمية النظافة واستعمال المطهرات ومبيدات الجراثيم والتعقيم, وهذا لايعني انني احذر من الولادة بالمستشفيات، ففي المستشفيات يوجد الامكانات التي عن طريقها يمكن مواجهة اي مضاعفات تطرأ لا سمح الله، فيمكن التدخل السريع واجراء العمليات المناسبة فورا بالاضافة الى توفر المكان الآمن والسليم للأم,0 واجب طبي وعاطفي ويعود د, علي رحومة مجددا ليشير الى اهم الواجبات التي تقوم بها القابلة في غرفة التوليد حيث تقوم باغلب اعمال التوليد اذ يقول: في حال وصول الام الحامل لغرفة التوليد تستقبلها القابلة فتقوم باداء وظيفة مهمة بل عظيمة قبل طلب الطبيب المناوب وتتمثل الوظيفة في فحص الام والجنين وعمل الاستعدادات الكاملة للولادة مثل اعطاء الام الحقنة الشرجية ومراجعة ملف المريضة لمعرفة تفاصيل الحمل بدقة، كما تستطيع من خلال التدريب معرفة وضع الجنين ضيق الحوض اتساع عنق الرحم الليونة مقدم المياه الحالة العامة للام والجنين، بالاضافة الى دورها الانساني والاساسي في تهدئة الام الحامل والاخذ بيدها، فهي تعاملها دائما كأخت وام تهون عليها من آلامها بعد ذلك تقوم القابلة بمتابعة المخاض الى مرحلة الولادة فاذا كانت الولادة طبيعية تستطيع ان تقوم بشق العجان، لكن عملية الخياطة عادة يقوم بها الطبيب، كما تكون لديها خبرة في التعامل مع المولود والعناية به في اللحظات الاولى للولادة. وتضيف د, لطيفة المنصور حول هذا الموضوع: ان دور القابلات او توصيفهن ينبغي ان يتضمن مقدرة القابلة على النهوض بالمهام الضرورية من الاشراف والرعاية واسداء النصح للام الحامل وبخاصة عندما تكون الولادة بالمنزل، وان يكون بوسعها توليد النساء على مسؤوليتها الخاصة بالاضافة الى رعاية الرضع والمواليد بعد الولادة وهذه الرعاية تشمل التدابير الوقائية واكتشاف الظروف غير العادية لدى الام والطفل واتخاذ التدابير الاسعافية في حالة انعدام المساعدة الطبية مع ضرورة نظافة وتعقيم المواد المستخدمة إذ تظهر الحاجة ملحة في المناطق النائية من المدن والقرى الصغيرة التي تربطها بالمناطق الرئيسية طرق وعرة مما يحول دون وصول بعض الحالات الحرجة الى المستشفيات في الوقت المناسب أو وصول الطبيب الى مقر المريضة وما ينتج عنه من مضاعفات للام والجنين. القابلة السعودية أثبتت كفاءتها وقدرتها كما تشير د, لطيفة الى وجود حوادث مؤسفة نتيجة اهمال الام في المتابعة وعدم قدرة القابلة (الداية) للقيام بالواجب الطبي الصحيح، حيث تقول: ان نسبة الوفيات اثناء وبعد الولادة كانت في السابق مرتفعة، نظرا لأن الداية قديما كانت تقوم بعملية الولادة في المنزل دون علم او دراسة ولا اتصور في الوقت الحاضر ان هناك فئة تمارس هذه الولادات الا التي تعيش في الظلام وعدم الوعي فاليوم ولله الحمد اصبح لدينا مدارس ومعاهد لتعليم التمريض واعطاء دبلوم متخصص في النساء والولادة, وقد اثبتت الممرضة والقابلة السعودية كفاءتها وقدرتها في هذا المجال. أدوات غير معقمة وتتهم القابلة لولوة احمد: الداية قديما في انها كانت تعتمد فقط في عملها على خبرتها وما توارثته عن جداتها من خبرات وكانت تستخدم ادوات غير معقمة مما يشكل خطورة شديدة على الام والجنين، اما في الوقت الحاضر فتوجد قابلات مؤهلات لديهن العلم والثقافة الطبية وعلى إلمام كامل بعملهن.