كبقية الذين تسعدهم رؤية الكتب، قمت بزيارة معرض جدة للكتاب، والذي كعادته كان فوق مستوى المدح من ناحية التنظيم ، وترتيب أقسام دور النشر، وتنسيق المكان من ناحية المداخل والمخارج وسرعة استجابة المنظِّمين. التقيت حينها بفريق بودكاست أربعة الناشئ الذي أسعدني جدًا الانضمام إليهم ، وفيما نتحاور عن الخطط ،قررت المرور بدور النشر للشراء، لكن ما أشعرني بالانزعاج عدم صدور الجديد منها، للحد الذي جعلني اتساءل عن سبب فتور الدور في الترجمة والنشر. وفي مقال سابق بعنوان «من اليد الأولى للورق للترجمة» ،تطرقت لانحسار الكتب الورقية نتيجة التقنية ،فيما تساءلت هل ستكون سببًا في توقف الورقية، أم أنها مجرد إضافة لذلك؟، لكن وفي حقيقة الأمر ، علينا أن نُقرّ بدور التقنية في ذلك وخصوصًا مع الإنتشار المبهج لبرامج البودكاست وتطوره فإن عليها أن تلتفت لجانب الكتب من نواحٍ عديدة، في التحدث عنها أو عمل ورش صوتيه تلخّص محتوى بعض الكتب دون الخوض في التفاصيل حتى لو أراد القارئ شراءه فيمكنه ذلك. أذكر أني دخلت عالم البودكاست حين استمعت لحلقة من منصّة ساندويتش ورقي تتحدث عن الكتب، في الحقيقة أعجبني الأمر وأنهيت الحلقات ومازلت أتابعها بكل حماسة لكنها مع ذلك تهمل بعضًا من الكتب العربية، فالمؤلفات العربية زاخرة بالقصص والمعرفة والأفكار التي منها يمكن صناعة العديد من الحلقات التي تشبع فضول القارئ أو حتّى الذي يستمع إليها لقضاء الوقت وللفائدة. فمثلاً المؤلفات المصرية وأخص بالذكر ثلاثية نجيب محفوظ، تتحدث عن مدينة القاهرة، مثلها رباعية مقبرة الكتب المنسية تتحدث عن مدينة برشلونة، فأليس من الأجمل التحدث عنهما ومقارنتهما بالمدن في الكتب الأخرى؟ هنا سيشعر القارئ بالإنتماء وكأنه قضى العديد من الرحلات ما بين القراءة وتعزيز ذلك بالبودكاست، بالإضافة لأن هناك شحّ من تلك المنصّات في تلخيص الكتب، فتلخيصها له جانبان: إمّا أن يقوم المستمتع بشراء الكتاب وكسب الفائدة أكثر، أو أن يكتفي بما استمع ونال فائدة أخرى من خلالها. لكن من جهة أخرى، للبودكاست أثره الإيجابي على القارئ، وهذا ما رأيته في معرض جده للكتاب، فمن خلال معلومة أو كلمة أو عنوان يقال في حلقة ما، يحرص على اقتناء كتاب ذُكرت فيه أو تساعده على اكتساب معرفة من قراءته للكتاب الذي كان المصدر لذلك، ولهذا لا نهمل الجانب الإيجابي للبودكاست في إثراء القارئ وتوجيهه نحو الكتب ولو كان بصورة بسيطة، وهذا ما أرجو أن يتحقق قريبًا أن يكون هناك ترابط معرفي بين الكتب وقنوات البودكاست لإنشاء جيل قارئ ومستمتع في آن واحد.