تجسِّد "بيوت الطين" والمواقع الأثرية في المملكة ثقافة الفرد والمجتمع، ولا تزال شاهداً على الفن والجمال والأصالة والإبداع الإنساني والرؤية الفنية، التي تعكس البيئة المحيطة بها. وتحكي تلك البيوت بمحافظة العقيق شرق منطقة الباحة، صعوبة العيش السائدة في ذلك الزمان، التي تمثل كتاباً مفتوحاً من خلاله يمكن للزائر أن يعيش قصة الحياة الماضية، ويعايش هموم وتطلعات وأحلام أهالي تلك البيوت وظروف معيشتهم. وتقف تلك المباني الطينية القديمة داخل مزارع النخيل وعلى سفوح الجبال المحيطة بها، والتي تحكي قصة الماضي الجميل لكل من يشاهدها، وتحمل في طيّاتها الكثير من عبق الماضي. وتعكس "بيوت الطين" العلاقة بين الأنسان والأرض، حيث استخدم الطين والأخشاب وسعف النخيل، وغيرها من الموارد المستخلصة من الطبيعة وعمل التشكيل الزخرفي على واجهة جدرانها بما يكرس مفاهيم التعامل والاندماج مع البيئة. وتختلف بيوت الطين من منزل لآخر في الغالب، لكن هناك أجزاء تجدها في معظم هذه البيوت ومنها المجلس، ويسمى" المشب" لدى البعض، وهو محل استقبال الضيوف وعناية صاحب البيت، حيث يحتوي على "الكمار" الذي يوضع فيه الدلال والأباريق، ويحتوي أيضا على "الوجار" المكان الذي تشب فيه النار لإعداد القهوة والشاي، وعادة الرجال هم الذين يتولون مهمة عمل القهوة للضيوف، ومن أهم ما يميزها الأبواب جميلة التصميم والقوية. وتتميز بيوت الطين بمنطقة الباحة التي يعود تاريخها لألاف السنين ببعض النقوش والتصاميم الهندسية على جدرانها وبعض الأبواب الداخلية والخارجية التي تعكس تراث المنطقة. بينما تضم منطقة الجوف مجموعة من المواقع الأثرية التي تعود لحضارات ومستوطنات بشرية متعددة شهدتها الجزيرة العربية منذ قرابة 6 آلاف عام، منها أعمدة الرجاجيل، وبئر سيسرا، وقلعة زعبل الأثرية، علاوة على المواقع الاثرية بدومة الجندل التي تضم قلعة مارد، ومسجد عمر، وحي الدرع التاريخي، فيما جاء موقع الشويحطية الأثري عميداً للمواقع الأثرية بالجوف من حيث القِدم. وتقع أقدم المستوطنات البشرية التي تم اكتشافها حتى الآن في شبه الجزيرة العربية في قرية الشويحطية شمال غرب مدينة سكاكا بمنطقة الجوف، فهي أحد أقدم المواقع الأثرية في قارة آسيا، حيث عثر على مستوطنات بشرية وأدوات حجرية يعود عمرها إلى الحقبة الزمنية من 700 ألف سنة و 1.3 مليون سنة في عصور ما قبل التاريخ. وبحسب تقرير علمي تم نشره عام 1986م في العدد العاشر لحولية الآثار العربية السعودية "أطلال"، الصادر من هيئة التراث حالياً، فإن موقع الشويحطية يعود للعصر الحجري القديم ويقع على المدرجات الصخرية بجوار جدول صغير يغذي وادي الشويحطية، وكشفت أعمال التنقيب الأثري في المنطقة عن 17 مستوطنة بشرية قديمة، وعثر في جانبي وادي الشويحطية على 1884 قطعة من الأدوات الحجرية صنف منها 1517 أدات قديمة، و367 أحدث زمناً، منها أدوات ثنائية الوجه ومكاشط وأدوات كروية الشكل ومتعددة الأسطح ومثاقب، وقد وُجِدَ أن الأدوات الحجرية التي عثر عليها تتماشى خصائصها مع أدوات عصر "الأولدوان" وهي نمط من الأدوات الحجرية تتميز بشكل وتقنية طرق محددة يعود إلى العصر الحجري القديم، حيث قدرت الدراسة عمر الموقع ما بين مليون إلى 1.3 مليون سنة. وأوضحت الدراسة أن الإنسان قديماً استوطن تلك المنطقة فترة طويلة من الزمن، مشيرةً إلى أن الموقع يعد الأقدم في المملكة، ومن بين أقدم المواقع الأثرية في آسيا الغربية. وتحظى مختلف مواقع التراث الثقافي في منطقة الجوف باهتمام من قبل هيئة التراث، والجهات الحكومية بالمنطقة، حيث باتت وجهة للزوار والسياح والفرق العلمية والأثرية من داخل المملكة وخارجها.