تختلف المستشفيات لدينا باختلاف مرجعيتها، فمنها الصحية والجامعية، والعسكرية، وهي ظاهرة صحية ممتازة، ومتقدمة تخلق روح المنافسة للكيانات والكفاءات الطبية، والإدارية، ولكن إذا كانت بطريقة صحيحة، وتحت سلطة تشريعية واحدة، تضع تنظيماً واضحاً، وجلياً لكل قطاع، من أجل الرقابة الصحية والمهنية، مع ترك مساحة كافية للمنافسة بتلك المؤسسات والمدن الطبية. إن القطاع الصحي لدينا يعتمد طريقة تشغيل وتوظيف تكاد أن تكون الأغرب في العالم: دعني عزيزي القارئ أوضح لك أكثر (موظفون على بند التشغيل الذاتي وموظفون على الخدمة المدنية وموظفون على شركات تشغيل والقائمة هنا تطول)، ولك أن تتخيل رواتب ومميزات مختلفة، وأوقات عمل مختلفة، ومدير إدارة لا يستطيع محاسبة موظف تابع لجهة أخرى، كموظفين صحيين عسكريين، أو موظفين جامعة، أو شركات التشغيل. هذه الصياغة الحالية للقطاع الصحي، أوجدت فجوة قيادية إدارية، وحزازيات وشللية أضرت كثيراً بسير العمل، وجعلت من بيئة العمل بنسبة للإداريين غير جاذبة، ودليلٌ على ذلك تشهد الآن المستشفيات بمختلف مرجعيتها استقالات كبيرة جداً، نتاج هذه التشغيل الذي أوجد بيئة وظيفية غير عادلة وغير محفّزة. لينتج جراء ذلك أيضاً تحدّيات كبيرة على المؤسسات الصحية، فلا يمكن لها تشغيل إمكانياتها دون طاقم إداري ثابت، وراضٍ مهنياً يسهم في نجاح استراتيجياته وأهدافه والمستشفيات والمدن الطبية. والمؤسف أيضاً، أن هذ العشوائية، أوجدت تضخّم مالي ومهني يصعب الآن علاجه، أو حتى تسّكينه، وقد أحدثت نزفاً كبيراً في الميزانية، وذلك نظراً لتعدد المرجعيات وتضارب خطط العمل. وبالأخص المستشفيات الجامعية التي تتولى قيادتها وزارة التعليم، وتشغلها إدارة الجامعة والمستشفى. إن هذه صياغة، لم تثبت نجاحها، بل هي عبء وثقل كبير على الجامعات وللقيادين فيها ، غير إنها أضرت أكاديمياً بجامعاتها التي باتت جراء ذلك، وللأسف أقرب الى مناصب تشريفية لأطباء وموظفين مستهلكين، أو مبعدين من مستشفياتها، وهذا شرخ أخر ومؤثر في الهيكل الأكاديمي. نحن بحاجة اليوم إلى إعادة هيكلة تشريعية مالية، وتنفيذية مهنية تحسّن من بيئة العمل وتخلق بيئة صحية للمرضى، وتفعّل الحلول المتاحة، وإيجاد بيئة محفّزة للموظفين توقف هذا النزف المالي المرهق للميزانية وهذه العشوائية المضرة. ومن ناحية المستشفيات الجامعية، يجب أن تعاد صياغتها، حيث أنها بهذه الصياغة تعاني كثيراً من الأخطاء والمجاملات، والبيروقراطية التي أدت إلى تراجعها، وتراجع (جامعتها)، وأقترح فصل تشغيلها من الجامعات، ففي كثير من الدول لا تتولى الجامعات قيادات المستشفيات، بل يكون بينهما تعاون محدود. هذه الصياغة لم تنجح لدينا، وأضرت بالميزانية والشؤون الطبية والأكاديمية، وكلي ثقة في أن يتقبل المسؤولون مقالي هذا ويتفهمون وجهة نظري.