في القرآن الكريم ، وردت مقاصد الحج في أمرين: الأول: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ…. [الحج: 28]. والثاني: …. وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج: 28]. هذان المقصدان الأساسان لعبادة الحجّ، شهود المنافع وتبادلها من تجارة وتعارف وتعاون وغير ذلك، والمقصد الثاني: ذكر اسم الله شكرًا على ما سخره لنا من مقومات الحياة وضرورات استمرارها من ماء وطعام وثمار، والأنعام دليل وجود هذه المقومات ووفرتها، إذ لا يمكن أن توجد هذه الأنعام إلا بوفرة الماء والنّبات، وكأنّ الله –تعالى- يذكرنا بنعمة وجودنا في هذه الحياة بما سخره لنا من هذ الأنعام وبما أنعم علينا من نعمة الطعام الذي لا تقوم لنا حياة ولا تستمر إلا بوجوده ووفرته. إنّ ذكر اسم الله في أيام معلومات -العَشْر الأُوَل من ذي الحجة- على نعمة الأنعام يقتضي كثرة ومداومة ذكر الله -تعالى- على هذه النّعمة العظيمة قبل ذبحها تقربًا إلى الله بها يوم النّحر. حتى إذا ذُبحت فكلوا منها وأطعموا الفقراء والمحتاجين شكرًا على هذه النّعمة. المناسك والطعام: المنسك: هو موضع النّسك والعبادة وكل أعماله الصالحات، قال تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ [الحج: 34]. ويُسمي الله –تعالى- الأنعام إذا ذُبحت وقُصد بها التقرب إلى الله (نُسك)، قال تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ[البقرة: 196]. وحكمة المنسك الذي جعله الله –تعالى- لكل أمَّة، هي ذكر اسم شكرًا واخباتًا –تواضعًا وخشوعًا- لله -سبحانه وتعالى- على أكبر النّعم وأجلّها وهي نعمة الحياة والتي تقتضي وجود هذه الأنعام التي سخرها الله –تعالى- للنّاس كل النّاس، لذا كان النّداء بالحج للنّاس جميعًا لاشتراكهم في هذه النّعمّة وحاجتهم لتسخير هذه النّعم التي بها قوام حياتهم من طعام وشراب على هذه الأرض واستمرار وجودهم لأجل مسمى عند ربهم. إنّ هذه الشعيرة بذبح الإبل والبقر والغنم جعلها الله -تعالى- في شتى الأم، حتي يتوجه بها الإنسان بها إلى الله وحده دون سواه، ليعلم أنّ الله وحده هو من أنعم عليه وهيأ له أسباب الحياة، فإذا استقرت هذه الحقيقة في نفسه تأدب مع ربه وتأدب مع النّاس وتأدب مع نعم الله من الأنعام وغيرها. فيُصلح في الأرض ولا يُفسد، ويُعمّر ولا يُخرّب، وينطلق لأداء مهام الاستخلاف على الوجه الذي يريده الله ويرتضيه.