عندما كنا صغاراً كانت تراودنا أفكار تخيلية عن المستقبل، كيف سيكون وكيف سيصبح شكل الحياة من حولنا، بل وصلت تخيلاتنا إلى أشكالنا وأدواتنا وحياتنا اليومية، وكان سؤال حالنا كيف ومتى وما المطلوب وهل حقاً سنصبح كذلك؟.. أم أنها ستبقى تخيلات مستقبلية في عقول الصغار..؟ لم نكن نفكر أن تغييراً بهذا الحجم يتطلب منا الاستعداد المسبق بتغيرنا لأنفسنا في تدرج متوازن، فلو أننا بقينا بتلك النظرة التخيلية المجردة لن نستوعب مراحل التغيير، وسنكون كتلك الضفدعة التي وضعت في ماء ساخن فقفزت من هول الحرارة، أو كشخص مصاب بوفاة دماغية لأكثر من نصف قرن ليفيق على مشارف هذه الحقبة التي نعيشها، وبالتحديد بين العشرين والثلاثين من هذا القرن، تبقت أقل من عشر سنوات فاصلة لإحداث نقلة لعلها فريدة من نوعها، كنا نتحدث عنها عندما شاهدناها تحدث في بلدان ليست قريبة، بلدان حققت في فترة وجيزة تغييراً شاملاً، كم أخذنا نتغنى بقدراتها ونضرب بها الأمثال في سرعة التقدم، الآن جاء دورنا لنوجه الأنظار نحونا ونصبح حديث العالم، ولهذا الحديث قصة طويلة.. بدأت من لحظة خروج أبنائنا وبناتنا إلى العالم الخارجي سعياً وراء تقدم علمي يسخّر لبناء شامل تحفه المعرفة والعلم والتخطيط السليم.. نغرس ثماره على أراضينا.. لنذره في سنبله إلى حين لحظة قطافه. المستحيل صعب..! لكنه ممكن، فليس هناك مستحيل مع إرادة قوية.. وعزيمة راسخة.. وإمكانيات عظيمة.. وإدارة حكيمة واعية وجادة، فإذا بدأ المستحيل يكشف عن بوادر تحوله لأمر ممكن وواقع مشهود.. تتوالى من بعده الإنجازات، فنصبح لا نكاد نرى تحقيق رؤية إلا وتتبعها الأخرى، -على سبيل المزاح الخفيف- مع نصفنا الآخر الذي كان يجزم منهم أن قيادة المرأة في بلادي من ضمن قائمة المستحيل..! الواقع أثبت أنها أبسط أنواع القيادة التي أسندت إليها إلى هذه اللحظة.. واليوم.. وقد اقتربنا من تاريخ تحقيق الرؤية الواعدة، تظهر لنا نيوم في حلتها المبهرة، هذه المدينة التي ستحدث ثورة في الحياة الحضرية تعنى بإنسانها مسخرة له عناصر التقدم بأنواعها دون المساس بالطبيعة المحيطة، في موازنة مستدامة بعيدة المدى، لتتحقق أمامنا تخيلاتنا الطفولية حول المستقبل وما سنكون عليه فيه من حضارة بناء وحضارة عيش وحضارة تنقلات، وبمناسبة الحديث عن هذه الأخيرة.. لعلنا سنتعرف على تلك السيارات الطائرة كما كنا نشاهدها في أفلام المستقبل والخيال العلمي، ويبقى السؤال.. كيف ستنظم إدارات المرور وقتها تزاحم السماء بالسيارات مع رحلات الطيران الجوي، وهل سيستحدث نظام نجم عمله ليقوم برصد حوادث السير بين الطائرات والسيارات، وعلى من منهم سيقع الخطأ، وهل سيتحمل كابتن الطائرة إذا وقع الخطأ عليه قيمة إصلاح السيارة المصابة أم ستتحّملها الخطوط التي يتبع لها؟ لا تقل مستحيل..! قيلت قبلك وتحقق المستحيل.