الفاضل جاء نظام الشركات الجديد، الذي أقره مجلس الوزراء يوم الثلاثاء الماضي الموافق 28-11-1443ه، كما ذكر د. ماجد القصبي وزير التجارة، بناء على التوجيهات السامية الكريمة بتحسين بيئة التجارة في المملكة، وتلبية لاحتياجات مجتمع الأعمال، ولتوفير بيئة نظامية حاضنة ومحفزة للمبادرة والاستثمار؛ تعزز قيمة الشركات وتنمي نشاطها وإسهامها في خدمة الاقتصاد الوطني بما ينعكس إيجاباً على مركز المملكة الريادي وميزاتها التنافسية. ويهدف النظام إلى تحقيق منظومة من الأهداف؛ منها وضع الأطر والممكنات اللازمة لإيجاد بيئة نظامية حاضنة ومحفزة للمبادرة والاستثمار داعمة لنمو قطاع ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة وضمان توافر ممارسات عادلة لمبادئ حوكمة الشركات وتكريس العمل المؤسسي، وكذا تيسير الإجراءات والمتطلبات النظامية لتحفيز بيئة الأعمال ودعم الاستثمار، بالإضافة إلى توضيح المبادئ والأحكام الأساسية بهدف الحد من المنازعات بين أصحاب المصالح، وبيان المبادئ والأحكام للموازنة بين مصالح مختلف الفئات الخاضعة لأحكام النظام؛ بما يضمن معاملة عادلة لجميع الشركاء والمساهمين، كما أن النظام يهدف إلى تعزيز حقوق المتعاملين مع الشركات، ويسهل جذب رؤوس الأموال، ويوفر مصادر تمويل طويل الأجل بأقل التكاليف، وتطوير البيئة النظامية للعمل غير الربحي بما يحقق استقرار الشركات غير الربحية وزيادة نموها. شمول كافة الأحكام جاء النظام في (أربعة عشر) باباً، اشتملت على تنظيم كافة أشكال الشركات، بما فيها المستحدث منها، وذلك لضمان شمول كافة الأحكام المتعلقة بالشركات بمختلف مجالاتها (التجارية، وغير الربحية، والمهنية) تحت مظلة واحدة، فقد تضمن (الباب الأول) الأحكام العامة للمشروع، وتنظم الأبواب (الثاني، والثالث، والرابع، والخامس، والسادس) أحكام شركة التضامن، وشركة التوصية البسيطة، وشركة المساهمة، وشركة المساهمة المبسطة، والشركة ذات المسؤولية المحدودة، ويتناول (الباب السابع) الشركة غير الربحية، و(الباب الثامن) الشركة المهنية، و(الباب التاسع) الشركة القابضة والشركة التابعة، و(الباب العاشر) تحول الشركات واندماجها وتقسيمها، و(الباب الحادي عشر) الشركات الأجنبية، و(الباب الثاني عشر) انقضاء الشركة وتصفيتها، و(الباب الثالث عشر) العقوبات، و(الباب الرابع عشر الأحكام الختامية). مواكبة التحول الاقتصادي جاء النظام مواكباً لمرحلة التحول الاقتصادي التي تشهدها المملكة، متضمنا إطارا نظاميا للشركات من شأنه أن يحدث نقلة نوعية للقطاعات التجارية والاستثمارية، ويساعد في بناء كيانات اقتصادية مستدامة، تتوافر فيها مقومات العمل المؤسسي بما يعود بالنفع على مجتمع الأعمال، ويستوعب الممارسات العادلة والسليمة لمبادئ الحوكمة، ويضمن معاملة عادلة لجميع الشركاء، ويعزز حقوق المتعاملين مع الشركات ويوفر الحماية اللازمة لهم، ويدعم قطاع ريادة الأعمال، والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، ويدعم القطاع غير الربحي، ويعزز من تمكين وزيادة دوره في التنمية الوطنية، ونمو الكيانات الاقتصادية واستمرارها، لا سيما العائلية منها، ويطبق معايير سليمة وعادلة تضمن الشفافية والإفصاح، ويحدد اختصاصات وأدوار الجهات التنظيمية والإشرافية ذات العلاقة على الشركات بشكل واضح، ويكتسب النظام أهمية كبيرة تتمثل في تطوير نظام الشركات الحالي، وسد الفجوات التشريعية القائمة، ومعالجة أوجه القصور التي تعتريه بما يتواكب مع المستجدات الدولية وأفضل الممارسات؛ لكونه أحد الروافد الرئيسة؛ لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، من خلال إسهامه في زيادة مشاركة القطاع الخاص، وتعزيز قيمة الشركات وتنميتها في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. تنافسية متقدمة عالميا تجدر الإشارة إلى أنه في بداية مرحلة إعداد مشروع النظام من قبل وزارة التجارة وهيئة السوق المالية تم تطوير منهجية إعداد النظام، وفقا لأفضل التجارب الدولية وما يتوافق مع البيئة النظامية في المملكة. وتمت الاستفادة من عدد من التجارب الدولية التي تنتمي إلى مدارس قانونية واقتصادية متنوعة، والقاسم المشترك بينها هو التقارب في مراكزها التنافسية المتقدمة وفقا للمؤشرات الدولية، وتحديداً تصنيف البنك الدولي الوارد في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال، وهي: (المملكة المتحدة، والولايات المتحدةالأمريكية، وجمهورية فرنسا، وجمهورية سنغافورة، والإمارات العربية المتحدة). كما تم تحليل الممارسات المتبعة في هذه الدول ومقارنتها بالممارسات المتبعة في المملكة لتحديد فرص التطوير. وتمت مراجعة وتحليل مرئيات اتحاد الغرف، والمركز الوطني للمنشآت العائلية، والجهات الحكومية، والهيئات المهنية، وكليات الحقوق، والجمعيات الأهلية، والشركات والمكاتب الاستشارية المتخصصة. الشركات العائلية والمساهمة يمكن القول: إن هذا النظام اشتمل على منظومة متكاملة من الأحكام النظامية والمبادئ والمفاهيم التي تنسجم مع أفضل الممارسات المقارنة، وتواكب المستجدات والتطورات الإدارية والاقتصادية والتقنية، وجاء هذا النظام مشتملاً على تنظيم كافة الأحكام المتعلقة بالشركات بما فيها (غير الربحية، والمهنية) في وثيقة تشريعية واحدة. وكذلك إمكانية إبرام ميثاق عائلي يكون في عقد التأسيس، ينظم الملكية العائلية في الشركة وحوكمتها وإدارتها وسياسة العمل وتوظيف الأقارب وتوزيع الأرباح. كما تضمن استحداث شكل جديد للشركات باسم (شركة المساهمة المبسطة) يلبي احتياجات ومتطلبات ريادة الأعمال ونمو رأس المال الجريء. كما تضمن النظام باباً جديداً لتنظيم الشركات غير الربحية كذراع استثماري ممكن للارتقاء بالقطاع غير الربحي وتعزيز دوره في التنمية الاقتصادية. كما اشتمل النظام على أحكام مرنة تتضمن إزالة القيود في جميع مراحل (التأسيس والممارسة والتخارج)، وعلى أسماء الشركات، وعلى تداول الأسهم. وكذلك السماح للشركة ذات المسؤولية المحدودة بإصدار أدوات دين أو صكوك تمويلية قابلة للتداول. بالإضافة إلى تطوير أحكام التحول والاندماج بين الشركات، والسماح بانقسام الشركة إلى شركتين أو أكثر. وإعفاء الشركات المتناهية الصغر والصغيرة من متطلب مراجع الحسابات. وإتاحة تقسيم الأسهم أو تجزئتها إلى أسهم ذات قيمة أسمية أقل أو دمجها بحيث تمثل أسهما ذات قيمة أسمية أعلى. وإمكانية إصدار أسهم تخصص للعاملين لجذب الكفاءات وتحفيزهم، أو منحهم خيار شرائها بعد مضي مدة محددة. والسماح بتوزيع الأرباح مرحلياً أو سنوياً على الشركاء أو المساهمين. وإتاحة تنفيذ الإجراءات إلكترونيا من خلال تقديم طلبات التأسيس وحضور الجمعيات والتصويت على القرارات بوسائل التقنية الحديثة. وكذلك إتاحة وسائل لحل المنازعات والخلافات باللجوء إلى التحكيم أو غيره من الوسائل البديلة لتسويتها. وتطوير أحكام تصفية الشركة وتسهيل إجراءاتها، وذلك بما يتماشى مع أحكام منظومة الإفلاس. وعرف النظام شركة المساهمة المبسطة التي استحدثها بأنها شركة يتم تأسيسها من شخص واحد أو أكثر. ومن أبرز مزاياها أنه لا يشترط حدًا أدنى لرأس مال الشركة في نظامها الأساس، وإمكانية إصدار أنواع وفئات متعددة من الأسهم بحقوق والتزامات وقيود متفاوتة، وإمكانية إدارتها من قبل مدير أو أكثر، أو مجلس إدارة، أو غير ذلك. وعدم اشتراط وجود جمعيات عامة، بحيث يتولى المساهمون ممارسة تلك الاختصاصات ولهم تحديد من يتولاها. ويحدد نظام الشركة الأساس النصاب اللازم لصحة اجتماعات المساهمين وصدور قراراتها. وقدم النظام للشركات العائلية مزايا جديدة؛ من أبرزها إمكانية إبرام ميثاق عائلي يكون في عقد التأسيس ينظم الملكية العائلية في الشركة وحوكمتها وإدارتها وسياسة العمل وتوظيف الأقارب وتوزيع الأرباح. وإمكانية تضمين قيود لنظام الشركة الأساس للتصرف بالأسهم لمدة معينة أو اشتراط موافقة الشركة أو المساهمين قبل التصرف فيها. وكذلك إتاحة وسائل لحل المنازعات في الشركات باللجوء إلى التحكيم أو غيره من الوسائل البديلة لتسويتها. وتنظيم آلية ممارسة حق استرداد الحصة من قبل شريك أو أكثر عند التنازل عنها، والسماح للشركة بشرائها، وإجراءات ذلك. بالإضافة إلى تحفيز الشركات العائلية بالتحول إلى شركة مساهمة بتقرير أن تكون الحصص ممن تربطهم صلة قرابة أو نسب، لتحقيق الاستدامة والحوكمة السليمة. الشركات غير الربحية وعرف النظام الشركة غير الربحية التي استحدثها بأنها شركة لا تهدف إلى تحقيق ربح يعود على الشركاء أو على المساهمين فيها، وتهدف لخدمة المجتمع بعمومه. وأفرد النظام لها بابا خاصا؛ لتفعيل دورها وتمكينها وحوكمتها وضبط مصارفها. ومن أبرز المزايا التي قدمها النظام لهذا الشكل من الشركات السماح لها بممارسة أي نشاط يمكنها من تحقيق أهدافها، وإمكانية حصولها على عوائد نقدية أو عينية مقابل أعمالها ومنتجاتها وخدماتها، واشتراط إنفاق أرباحها في المصارف والمجالات المنصوص عليها في عقد تأسيسها أو نظامها الأساس، وإمكانية دفع مكافآت أو أي مزايا أخرى للعاملين في الشركة. وقدم النظام للشركات المساهمة إمكانية أن تكون الشركة من شخص واحد، ولم يشترط النظام انعقاد جمعية تأسيسية. وتأسيس الشركة المساهمة دون اشتراط حد أقصى لعدد أعضاء مجلس الإدارة، وتسهيل تقسيم أسهمها إلى أسهم ذات قيمة اسمية أقل، أو دمجها بحيث تمثل أسهمًا ذات قيمة اسمية أعلى. وأتاح النظام إصدار فئات مختلفة من أنواع الأسهم، بالإضافة إلى أنه لن يكون هناك حد أقصى لمكافآت أعضاء مجلس الإدارة مع منح الجمعية العامة صلاحية تحديد مقدار مكافآت أعضاء مجلس الإدارة وفق معايير عادلة ومحفزة. وقدم النظام للشركات المهنية – الذي عرفها بأنها شركة ذات شخصية اعتبارية مستقلة يؤسسها شخص أو أكثر من المرخص لهم نظاما في ممارسة مهنة حرة واحدة أو أكثر-مجموعة من المزايا؛ أبرزها السماح بمشاركة "مستثمرين غير مهنيين" في الشركة لتمكين حصولها على التمويل وتوسيع أعمالها، والسماح للشركة بممارسة أكثر من مهنة حرة وفق ضوابط منظمة، والسماح للشريك أو المساهم بالمشاركة في شركة مهنية أخرى تمارس المهنة ذاتها، والسماح لها بتملك الأصول العقارية والاستثمار في الأوراق المالية. وقدم النظام للشركات الأجنبية مزايا؛ من أبرزها إمكانية تعيين مراجع الحسابات بقرار من مدير فرع الشركة الأجنبية بناء على تفويض من الشركة الأجنبية، ووجوب أن يتضمن طلب قيد فرع الشركة الأجنبية بيانًا يوضح بدء وانتهاء السنة المالية للفرع، وإمكانية استمرار الشركة الأجنبية الحاصلة على ترخيص مؤقت لتنفيذ أعمال محددة، وذلك بعد تحقيق المتطلبات النظامية اللازمة. ويسري العمل بهذا النظام بعد 180 يوما من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية أم القرى. كما يلغي نظام الشركات الحالي ونظام الشركات المهنية. نموذج ناجح بقي أن نقول: إن هذه المنظومة الشاملة من الأحكام التي تضمنها هذا النظام، تؤكد توجه الدولة الواضح وسياستها في سن الأنظمة لتحسين البيئة التشريعية والاستمرار في تطويرها بما يسهم في تحقيق التنمية الوطنية المستدامة بصفة عامة وتعزيز التنمية الاقتصادية بصفة خاصة. ونسأل الله تعالى، أن يديم توفيق قيادتنا وسؤددها، ونقول بكل مشاعرنا: شكراً جزيلاً لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز- حفظهما الله- على توجيهاتهما السديدة والمستمرة لتحسين البيئة التشريعية بصفة عامة والبيئة التشريعية الاقتصادية بصفة خاصة، بما فيها هذا النظام المهم، وشكراً جزيلاً للدكتور ماجد القصبي وزير التجارة، وأ. محمد القويز رئيس هيئة السوق المالية على عمل الوزارة والهيئة الاحترافي والتكاملي الذي أثمر هذا النظام الذي تم العمل عليه بشراكة بين الجهتين، ويمثل نقلة كبيرة في بيئة ممارسة الأعمال بالمملكة، وشكراً جزيلاً لفريقي الوزارة والهيئة اللذين قدما نموذجاً ناجحاً، يشار له بالبنان ويؤمل تطبيقه في سائر الأنظمة التي تشترك في مسؤولية تطبيقها أكثر من جهة لتتمكن من تحسين البيئة التشريعية للقطاعات والأنشطة والمهن التي تشرف عليها هذه الجهات. وأسجل الشكر الجزيل لكل من ساهم في هذا النظام وشكر خاص للأستاذ بدر الهداب مساعد رئيس هيئة الخبراء حاليًا ومساعد وزير التجارة سابقاً زميل المهنة القانونية وأحد رموزها الوطنية على دوره البناء والملموس في إنجاز هذا النظام في جميع مراحله، بدءًا من إعداده، ومرورا بمراجعته وحتى إقراره.