الأمن الغذائي أحد الركائز الأساسية للأمن بمفهومه الشامل ، وتوفيره يعني استقرارا للمجتمع في طعامه وصحته ، ويعكس قدرات الدولة ونجاحات سياستها الاقتصادية ، في ظل عولمة اقتصادية شديدة التشابك والتأثير ، خاصة في ظل تحديات كبيرة فرضتها الجائحة على سلاسل الإمداد ، تلتها تداعيات أزمة الحرب الأوكرانية على إمدادات الحبوب. وفي هذه المعادلة تقدم المملكة بقيادتها الحكيمة ، حفظها الله ، نموذجا برؤيتها الطموحة 2030 ، في ترسيخ الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة ، وفق استراتيجية وطنية شاملة لسد الاحتياجات سواء في الحالات المستقرة أو الطارئة. تقوم استراتيجية الأمن الغذائي في المملكة على تحقيق الاكتفاء الذاتي وفائض محلي بنسب عالية في كثير من المنتجات الزراعية واللحوم والدواجن والألبان وأنجزت الكثير في ذلك اكتفاء وتصديرا وصناعت غذائية ، تقوم عليها استثمارات ضخمة ودعم ممنهج للاستدامة ، وتطوير شبكات النقل والتخزين للغذاء. بالتوازي مع ذلك تتميز المملكة بالانفتاح على العالم بتأمين واردات لمنتجات أخرى ، من أسواق خارجية تتطلع بكثير من الثقة إلى توسيع تعاملاتها الاقتصادية والتجارية مع السعودية وسوقها الأكبر والأنشط إقليميا ، والذي يعكس بدوره مستوى التطور المعيشي المرتفع والقدرة الشرائية العالية والازدهار. سلاسل إمداد آمنة ولأنه الأمن الغذائي الذي يعني في المملكة أولية كبيرة ضمن مفهوم رفاهية المجتمع ، أكد المهندس عبدالرحمن الفضلي وزير البيئة والمياه والزراعة رئيس لجنة الأمن الغذائي، أنه بفضل من الله ، ثم بدعم القيادة، عززت المملكة ، وفقا لاستراتيجية الأمن الغذائي واللجان المشكلة لمتابعة تنفيذها – مخزونات السلع الغذائية الأساسية، للحفاظ على استقرار المعروض المحلي ، وأن إمدادات ومخزونات السلع الغذائية في السعودية مطمئنة، ولا توجد أي مخاوف بشأن وفرتها في الأسواق المحلية، على خلفية الأزمة الروسية – الأوكرانية الحالية. أيضا وضمن هذه المنظومة الحيوية الدقيقة ، تأتي أهمية تأمين الإمداد ، وعنها سبق وأكد الوزير الفضلي حقائق الواقع ، بأن سلاسل إمداد السلع الزراعية والحيوانية والغذائية آمنة وموثوقة ومستمرة في ظل حجم الإنتاج المحلي لعديد من السلع الأساسية وتحقيق نسب اكتفاء مرتفعة لعديد منها، إضافة إلى تعدد مناشئ الاستيراد عالميا للسلع التي يتم الاستيراد منها، وهو الأمر الذي نستبعد معه حدوث أي ندرة في المعروض نتيجة للأزمة العالمية الراهنة. مخزون استراتيجي قبل أيام وفي هذا السياق ، أكملت المؤسسة العامة للحبوب إجراءات ترسية 625 ألف طن قمح من مناشئ عدة (أوروبا، أمريكا الشمالية والجنوبية، أستراليا) ، في إطار تعزيز المخزون الإستراتيجي من القمح كسلعة استراتيجية ، والحفاظ عليه عند المستويات الآمنة وتلبية جميع احتياجات شركات المطاحن ، ومن ثم تأمين احتياجات المخابز ، ووصول منتجاتها بكافة أنواعها وفي مقدمتها الخبز للمستهلك وبنفس الوفرة والسعر ، رغم الأزمة التي تعاني منها دول كثيرة ، جراء المستجدات العالمية والتحديات التي تشهدها تشهدها الأسواق العالمية على هذا الصعيد الغذائي. وبحسب محافظ المؤسسة المهندس أحمد بن عبد العزيز الفارس، فإنه ترسية هذه الدفعة تكون المؤسسة قد تعاقدت على توريد نحو (2.6) مليون طن من القمح الجيد ، خلال العام الجاري للتوريد خلال الفترة من يناير وحتى نوفمبر القادم ، وطبقا للمواصفات الغذائية السعودية العالية. بالتوازي مع ذلك بدأت المؤسسة بشراء القمح المحلي ، من المزارعين للموسم الحالي (2022م) بمختلف فروعها، ووفق آليات الكترونية متقدمة لخدمة المزارعين من خلال منصة "محصولي" وهي ميزة أخرى تعكس شمولية دائرة الاقتصاد الرقمي في المملكة ، حيث تتيح المنصة للمزارعين الاستفادة من تحديد مقر التوريد وحجز المواعيد والاستعلام عن تفاصيل الشحنات المستلمة إضافة إلى تمكين المزارعين من إدخال الحساب البنكي لأغراض الصرف انتهاء بإيداع مستحقات المزارع المالية فور إقفال الحساب وذلك بعد اكتمال عملية التوريد ودون الحاجة لمراجعة فروع المؤسسة. قمح الديورم ولا زلنا في سياق خيرات وخبرات الانتاج المحلي ، حيث يتجلى نهج الاستدامة وتعظيم القيمة الانتاجية برؤية استراتيجية قريبة المدى ، وعلى أسس علمية وخبرات عملية تتمتع بهما السعودية .. والجديد في ذلك ما كشف عنه مدير عام مركز البذور والتقاوي وبنك الأصول الوراثية والنباتية بوزارة البيئة والمياه والزراعة، الأمين العام للجنة الوطنية للموارد الوراثية الدكتور ناصر المري، عن خطة مركز البذور والتقاوي المستقبلية لإنتاج قمح الديورم. وتفصيلا لهذه الخطوة الواعدة ، قال إن هناك برنامجا ينفذ لاستنباط أصناف عالية الإنتاجية والجودة من (قمح الديورم) على ثلاث مراحل زمنية وهي مرحلة قصيرة الأجل حيث تم الحصول على بذور بعض الأصناف المنتخبة من سلالات هيئات دولية مثل:(الايكاردا والسيميت والاكساد) يتم تقيمها تمهيدا لتسجيل المتفوق منها كأصناف جديدة واكثار بذورها لإنتاج درجات الإكثار المختلفة. وميزة هذه الأصناف المنتقاة من قمح الديورم ، بحسب الدكتور المري ، تحمل الحرارة والملوحة والجفاف ، ويتم تقييم هذه المستوردات في مناطق مختلفة ثم انتخاب السلالات المبشرة وأيضاً مرحلة طويلة الأجل تعتمد على تنفيذ برنامج تربية وطني والذي يعتبر صمام الأمان لضمان توفير أصناف جديدة عالية الإنتاجية والجودة باستمرار، وبالتالي تحقيق مستوي عال من الأمن الغذائي ، مضيفا بأن "هذه الأصناف ذات قدرة عالية على الأقلمة والثبات الوراثي تحت الظروف البيئية المختلفة، ويستغرق البرنامج أكثر من ثماني سنوات للحصول على الصنف إلا أننا عن طريق اتباع برنامج تربية سريع للقمح سيتم اختصار المدة إلى 5 سنوات وسيكون عندنا أصناف جديدة للديورم بطريقة التهجين". الاستثمار والتصنيع الغذائي ولكن ماذا عن الفرص الاستثمارية في هذا المجال المعزز للأمن الغذائي بإنتاج قمح الديورم بالمملكة. الإجابة أيضا على لسان الدكتور ناصر المري قائلا: على غرار بعض المحاصيل المهمة الأخرى نجحت وزارة الزراعة في إبرام فرصة استثمارية لصناعة قمح الديورم محليا، فعلى مدار ثلاثة ورش عمل برئاسة وكيل الوزارة للزراعة، ضمت أضلاع مثلث صناعة قمح الديورم بداية من الزراعة حتى التصنيع، مثلت جهات الإنتاج (أعضاء لجنة منتجي البذور بالمملكة) تعد ضلعها الأول، ومثلت "المطاحن الأولي" والثانية ضلعها الثاني، وأخيرا مثلت المصانع الأساسية لصناعة المكرونة ضلعها الثالث، حيث تهدف هذه الفرصة الاستثمارية إلى إنتاج قمح الديورم بالكمية والجودة الكافية لتعظيم القيمة المضافة وأن يكون المنتج سعوديا 100% بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي وفق رؤية المملكة 2030م. أرقام طموحة بلغ حجم الناتج الزراعي للمملكة 61.4 مليار ريال، تمثل 2.33 % من الناتج المحلي الإجمالي، وتجاوزت نسبة الاكتفاء الذاتي من التمور بالمملكة 125 %، ومن الخضراوات والدواجن 60 % ، والبيض 116 %، والحليب الطازج ومشتقاته 109%، والأسماك 55 %. وتولي المملكة اهتماما كبيراً بالتصنيع الزراعي، وفي مقدمته التمور، ومصانع حفظ وتجهيز الفاكهة والخضراوات ، ويبلغ حجم الاستثمار في صناعة المنتجات الغذائية 87 مليار ريال ، من خلال نحو 1121 مصنعاً تنتج أكثر من 1582 منتجًا. وبلغ حجم الاستثمارات السعودية الزراعية بالخارج ، بحسب البيانات ، أكثر من 10 مليارات ريال في عدة دول، ويعتمد قطاع منها على توظيف الذكاء الصناعي والتكنولوجيا الرقمية والحيوية لزيادة النمو، وتحقيق أعلى قيمة اقتصادية مستدامة.